"سأدفع مقدماً".. عبارة تنتهي بها كل الاشتراطات، وتبدأ معها التنازلات من قبل العديد من المكاتب العقارية العاملة في قطاع العقار، حيث يوجد حوالي (30) ألف مكتب عقاري في "المملكة"، يعمل العديد منها بشكل عشوائي وبعيد عن التنظيم. وعلى الرغم أن "المكاتب العقارية" مشتركة ب"شموس" الأمني، إلاّ أن العديد منها غير ملتزم بما ينص عليه هذا النظام، بل ولا يزال بعضها يعمل بمنأى عن القوانين والأنظمة، فهدف العديد من أصحابها تحقيق المكاسب المادية، وكذلك الحصول على عمولة بيع أو تأجير المساكن. ولكي نُساهم في تقديم خدمة مميزة في مجال العقار لابد من تقليص عدد المكاتب العاملة حالياً، مع وجود رقابة تُساهم في إيقاف عبث الدخلاء على المهنة، والذين ساهموا بطرق مختلفة في رفع أسعار المنتجات العقارية، إلى جانب التسبُّب في عمليات التأجير غير النظامي تحت ذريعة قانون العرض والطلب. وفي جولة ل "الرياض" على عدد من هذه المكاتب اتضح أن أغلب من يعملون بها مهنتهم الأساسية هي "سائق خاص" أو "راعي غنم"!، حيث برّر ملاكها ذلك بعدم حصولهم على "تأشيرات" من "وزارة العمل" تساعدهم في استقدام عاملين في هذا القطاع، الأمر الذي يستدعي تكثيف الحملات التفتيشية على المكاتب، وسن قوانين تنظم العمل في هذا القطاع. حوافز تشجيعية وبيّن "علي جابر" -موظف بمكتب عقاري- أن مهنته الأساسية هي "راعي غنم"، بيد أنه اتفق مع كفيله على العمل بالمكتب مقابل راتب شهري بسيط جداً لا يتجاوز (1000) ريال، إلى جانب الحصول على حوافز تشجيعية على شكل عمولات على كل عقد تأجير أو بيع، الأمر الذي جعله يعمل على توثيق علاقاته مع زملائه في المكاتب الأخرى، مشيراً إلى أنه لا يعرف نظام "شموس" ولم يسمع به من قبل، وقال:"عند تأجير شقة معينة، نحتاج فقط إلى صورة من الهوية الوطنية وبطاقة العائلة ومبلغ الإيجار، وغير ذلك لا يلزمنا". وأشار "راشد الصقر" -عقاري- إلى أن المكاتب العقارية في "المملكة" ومنذ عقود مضت لا تتمتع بأي نظام يرتب العمل فيها، ويحدد أولوياتها، مضيفاً أن مناطق المملكة تضم (30) ألف مكتب عقاري تقريباً، معظمها تعمل بشكل عشوائي، موضحاً أن العديد من أصحاب هذه المكاتب لا هم لهم إلاّ تحقيق المكاسب المادية، داعياً الجهات المعنية إلى سن قوانين تُنظم عمل هذه المكاتب، لافتاً إلى أنه من غير المعقول أن يُترك هذا العدد من المكاتب يعمل بلا نظام أو ضوابط طيلة السنوات الماضية. غير نظامية وشدّد "الصقر" على ضرورة كشف المكاتب التي تعمل بشكل نظامي وتلك التي تعمل دون ضوابط؛ ليتمكن المواطن والمقيم من التعامل مع المكاتب النظامية، وقال:"علينا أن نعترف أن ثلث هذه المكاتب تعمل بطرق غير نظامية ووفق ما يساعدها على تحقيق مكاسبها المادية المرجوة، بصرف النظر عما إذا كانت هذه الأهداف تحقق مصالح المالك أو المستأجر أو أمن الوطن والمواطن والمقيم على حد سواء، وهذا الأمر حذرنا منه منذ سنوات مضت ولم يلتفت له أحد حتى هذه اللحظة"، مبيناً أن العديد من المكاتب العاملة حالياً بحاجة إلى فرض نظام يُحدد أُطر عملية تأجير المساكن بما يكفل تحقيق مصلحة كل من المالك والمستأجر معاً، إلى جانب الحرص على عدم الإخلال بأمن الوطن، مشيراً إلى أن العديد منها تطلب من المستأجر إبراز صورة الهوية الوطنية وبطاقة العائلة، مع الالتزام بدفع مبلغ الإيجار مقدماً، موضحاً أن الأهم هنا هو الحصول على مبلغ العمولة -حسب قوله-، متسائلاً عن ما إذا كانت هناك خطوات معينة تكفل متابعة المستأجر للتأكد من طريقة تصرفه بالعقار، وهل عمد إلى إيواء بعض المخالفين أم لا؟. نظام إيجار وأكد "الصقر" على أن نظام "إيجار" سيساهم -بإذن الله- في الحد من عملية التأجير العشوائي غير المبني على أنظمة وقوانين تهدف لتحقيق الصالح العام، وقال:"وقعت المكاتب العقارية خلال السنوات الماضية فريسة للخلافات المتواصلة بين طرفي العلاقة، فكل طرف يريد أن يتفوق على الطرف الآخر محاولاً كسب تأييد المكتب العقاري، وقد يمتد الخلاف بين المالك والمستأجر إلى حد ضياع الحقوق، فيجد المكتب العقاري نفسه في وجه المدفع يحاول لملمة الخلافات وحلها، وبالتالي فإنه قد يجد نفسه عاجزاً عن تحقيق هذا الهدف"، مشيراً إلى أن هذا الأمر أثر بشكل سلبي على أداء المكاتب العقارية وحرم المواطنين من استئجار الشقق، خاصة العسكريين منهم؛ وذلك تحت ذريعة عدم دفع الإيجار في موعده، وبالتالي فإن العديد من المقيمين هم من استفادوا في هذا الجانب. مخالفات واضحة وأيده الرأي "خالد القحطاني" -مالك مكتب عقاري-، مضيفاً أن العديد من المكاتب تعمل بطريقة عشوائية، خاصة عند تأجير المساكن، إلى جانب وجود مخالفات واضحة في ما يتعلق بكتابة العقود المعمول بها حالياً، مشيداً بالإجراءات التنظيمية التي أقرتها الجهات المعنية مؤخراً لتنظيم سوق العقار وإعادة ترتيب الأوراق فيه، موضحاً أنها ستكشف المكاتب العقارية التي تعمل بطريقة عشوائية، مضيفاً أن اللوائح الأخيرة التي ناقشها "مجلس الشورى" في شهر "مارس" الماضي والمتعلقة بتنظيم عمل المكاتب العقارية، كفيلة بهز هذه المكاتب. وأضاف أن الحاجة تدعو إلى تقليص عدد المكاتب العقارية العاملة حالياً، مشيراً إلى وجود عدد كبير من الدخلاء على المهنة، موضحاً أنهم ساهموا بطرق مختلفة في رفع أسعار المنتجات العقارية في السنوات القليلة الماضية، إلى جانب التسبُّب في عمليات التأجير غير النظامي تحت ذريعة قانون العرض والطلب. نظام شموس وبيّن "القحطاني" أن الإجراءات كان من المفترض أن تصدر منذ فترة طويلة، مؤكداً على أن تأخُّرها عمَّق مشكلات المكاتب العقارية، لافتاً إلى أن العديد من المكاتب العقارية تحكمت في فترة من الفترات في أسعار الإيجارات، واستغلت كثرة الطلب على العرض، وبالتالي فرضت شروطها؛ مما أربك السوق ورفع من نسبة شكوى الناس من غلاء الإيجارات. وأوضح "سعيد الحافظ" -موظف بمكتب عقاري- أن المكاتب العقارية مُلزمة بالتسجيل في نظام "شموس"، ومع ذلك فإن العديد منها لا تطبق ما جاء في هذا النظام ولا تلتزم به -حسب قوله-، مضيفاً أن نسبة كبيرة جداً من المكاتب العقارية غير مُرخصة، مشدداً على أهمية تفعيل نظام "شموس" وإلزام المكاتب العقارية بالعمل به، والتأكد أيضاً من التزامها في هذا الشأن، ذاكراً أن عدم التزامها به سيؤدي إلى استمرار عشوائية عمل تلك المكاتب بشكل سلبي على أمن الوطن والمواطن، موضحاً أن بعض المكاتب العقارية أخلت بكثير من التزاماتها الوطنية تجاه المواطن، كما أنها تمنع تأجير العسكريين دون رتبة "ملازم"، إلى جانب دعمها للعمالة الأجنبية تحت ذريعة أنهم "ملتزمون بالسداد أولاً بأول"، إلى جانب رفع قيمة الإيجارات. خلل واضح ولفت "د.محمد القحطاني" -محلل اقتصادي- إلى أن العديد من المكاتب العقارية تفتقد للأنظمة الأمنية والتنظيمية والتشريعية التي تنظم العلاقة بين كافة الأطراف، مضيفاً أن غالبية العاملين بها هم من العمالة الأجنبية وبنسبة تصل إلى (80%)، داعياً الجهات المعنية إلى علاج هذا الخلل الواضح، مُبدياً تفاؤله بشأن مستقبل القطاع السكني في المملكة، وقال:"عندما ينصلح حال القطاع، سينصلح حال المكاتب العقارية أيضاً، وقد رأينا في الأشهر الماضية من هذا العام كيف اتخذت الجهات المعنية عدداً من القرارات المنظمة للقطاع العقاري؛ للتغلب على أزمة السكن، وحل مشكلة غلاء الإيجارات". وأضاف أن "مجلس الشورى" أوصى بهذه التعديلات، موضحاً أنها من الممكن أن تُسفر عن إيقاف ثلث عدد المكاتب العاملة في "المملكة"، والتي ظهرت على هامش الطفرة العقارية التي أعقبت انتكاسة سوق الأسهم المحلية، مشيراً إلى أن تلك المكاتب لم تبتكر أو تنجز طيلة السنوات الماضية مزيداً من الأفكار التي تُرسِّخ أقدامها في السوق العقارية، مبيناً أنها فضلت عوضاً عن ذلك لعب دور الوسيط بين المالك والمستأجر مقابل الحصول على العمولة المطلوبة في هذا الجانب. مشكلات عالقة وتوقع "د.القحطاني" أن يساهم العمل بنظام "إيجار" في تنظيم عمل المكاتب العقارية، مضيفاً أن من شأنه أيضاً تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وبالتالي ضمان حقوق كل طرف في إطار قانوني، مشيراً إلى أن هذا النظام لن يتمكن من حل جميع المشكلات العالقة بين المالك والمستأجر، وإنما سيساهم في حل بعضها، ويبقى لخبرة المكتب العقاري دور كبير في تنظيم هذه العلاقة والتغلب على المشكلات التي قد تطفو على السطح في هذا الشأن. وبين أن العديد من العمالة الأجنبية استغلت عدم إقبال المواطن على العمل في هذه المهنة ودخلوا بقوة فيها واستحوذوا عليها بطريقة أو بأخرى، مؤكداً على أنهم امتلكوا العلاقات وأسسوا لمبادئ يسيرون عليها في عملهم بمنأى عن المواطن، لافتاً إلى أن العديد من المواطنين أعانوهم في ذلك بشكل أو بآخر، موضحاً أن منهم من وظَّف سائقه الخاص للعمل في مكاتب يملكونها بمنازلهم الخاصة دون تراخيص نظامية -حسب قوله-، ذاكراً أن هناك أكثر من (30) ألف مكتب عقاري في "المملكة" تعمل نسبة كبيرة منها بشكل عشوائي ودون وجود أنظمة تحمي الأطراف المتعاملة وتحمي أمن الوطن والمواطن. عمالة تُدير العمل في بعض المكاتب لا تزال العديد من المكاتب العقارية تعمل بشكل عشوائي د. محمد القحطاني