كانت المنظمة الدولية للثقافة والعلوم (اليونسكو) قد حددت يوم 21 فبراير من كل عام يوماً عالمياً للغات الأم، تحت مسمى (يوم اللغة الأم العالمي)، وهذا اليوم مفتوح لجميع شعوب العالم كي تحتفل بلغاتها التي تجاوزت ستة آلاف لغة حية، بالإضافة إلى اللهجات الشعبية الدارجة في كل لغة، التي يتحدث بها جميع سكان الأرض، بمختلف فئاتهم وأطيافهم، وتنوعهم المعرفي والثقافي، وكان من أهم أهداف الاحتفالات بيوم اللغة الأم هو المحافظة على الهوية الثقافية في البلدان، والاحتفاظ بالموروث الإنساني المتنوع بعيداً عن سطوة السيادة الثقافية الواحدة التي تنتهجها بعض الدول الكبرى المهيمنة ثقافياً واقتصادياً، لتمحو بها الهوية الثقافية الصغيرة التي تعتز بها الدول الفقيرة، التي تجبرها على الذوبان فيها، غير آبهة بتراثها الإنساني، وثقافتها التاريخية. ولهذا اليوم فضل كبير على لغات الأقليات في جميع أنحاء العالم، حيث منحهم الفرصة ليحتفلوا بلغتهم الأم في يوم اللغة الأم وليحتفظوا بموروثهم الإنساني وتعزيز بقائه للأجيال اللاحقة قبل أن تنقرض لغتهم وقبل أن تذوب هويتهم في الثقافات الكبرى التي تهيمن عليهم. إن اللغة هي الرابط الوحيد بين الألباب والأفهام، فلا توجد معرفة بلا لغة، ولا توجد ثقافة بلا لغة، ولا توجد هوية بلا لغة، ولا يوجد موروث إنساني بلا لغة، ولا يوجد تاريخ بلا لغة، فاللغة هي الوعاء الذي يستوعب كل ذلك، واللغة هي الأساس الثقافي للأمم، وهي اللسان الفكري الذي يعبر به الإنسان عن أفكاره، وآماله وطموحاته، وحتى لا نتهم بإغفال لغة الإشارة التي يستخدمها الصم والبكم فهي أيضاً لغة حية يعبرون بها عن أفكارهم، وآمالهم وطموحاتهم، ولهذا فإن العلاقة وطيدة جداً بين اللغة والفكر. عندما اعتمدت منظمة الأممالمتحدة عدداً من اللغات الحية لتكون هي اللغات الرسمية للمنظمة الدولية، التي بلغت الآن ست لغات أساسية، وتمثل جسر التواصل بين جميع دول العالم، وتتجلى مهمتها في توثيق المحاضر الرسمية وأوراق العمل أثناء الاجتماعات، وفي الترجمة الحية المباشرة أثناء المؤتمرات، تحدثاً وكتابة. المعروف تاريخياً عند إنشاء الأممالمتحدة عام 1945م أن اللغات الرسمية كانت خمس لغات فقط هي: الإسبانية والإنجليزية والروسية والصينية والفرنسية، ثم دخلت اللغة العربية محافل الأممالمتحدة عام 1973م فأصبحت منذ ذلك الحين لغة رسمية سادسة تتحدث بها الوفود العربية وتصدر بها وثائق الأممالمتحدة، وقد أصبحت اللغة العربية لغة رسمية في الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات الفرعية التابعة لها بالقرار 3190 (د – 28) الصادر في الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العامة في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1973م، وهذا التاريخ الذي تم اعتماده مؤخراً بجهود المجموعة العربية في المنظمة الدولية ليصبح هو (اليوم العالمي للغة العربية)، حيث أقر المجلس التنفيذي لمنظمة الأممالمتحدة للعلوم والتربية والثقافة (اليونسكو) يوم الثامن عشر من شهر ديسمبر يوماً عالمياً للغة العربية، وعليه فإن الأسبوع بعد القادم وتحديداً يوم الثلاثاء الثامن عشر من ديسمبر 2012م، سيكون العرب على موعد جميل مع يوم عالمي يحتفي فيه العالم كله باللغة العربية، وهذا الاحتفاء بلغة العرب السامية في يومها العالمي المخصص لها، مهم جداً، فماذا يجب علينا أن نفعله من أجل لغة القرآن؟ نتوقع أن يحظى يوم اللغة العربية العالمي باهتمام عالمي (دولي وإقليمي)، وأعني به اهتمام المراكز الأكاديمية والبحثية في الجامعات، والمعاهد العلمية والتكنولوجية التي تهتم باللغات، ولهذا يجب أن تكرس جميع الجهود من أجل وضع برامج تطويرية للغة العربية والبحث عن أفضل السبل التي تؤدي لاستخدامها الاستخدام الأمثل في العالم. وأن نبذل جهدنا وكل طاقاتنا لتطوير لغتنا العربية، مع الحفاظ على هويتنا الثقافية والنظر إلى مستقبل العربية الذي نراه مرهوناً بالوعي اللغوي وبأهمية إدراكنا انتماءنا للغتنا، كما يجب العمل على تقدمها والوصول بها إلى أن تكون اللغة الأولى في العالم، ولن يأتي ذلك إلا بتضافر الجهود العلمية والتربوية والإعلامية والإدارية، والفنية، وكل المباحث التي من شأنها أن تصل للمتلقي في أي مكان في العالم. فاللغة العربية من أقدم اللغات عمراًً، إن لم تكن أقدمها، وبالنسبة للعرب والمسلمين هي لغة الإعجاز القرآني، ولغة البيان النبوي، ولغة الضاد التي استوعبت شعرهم ونثرهم، وهي اللغة الوحيدة من اللغات السامية الست الأساسية في منظمة الأممالمتحدة التي تكتب من اليمين للشمال ومن الأعلى للأسفل. ولغتنا العربية تزخر بكثير من المميزات عن لغات العالم، فبإمكاننا كتابة جمل قصيرة أو خطب طويلة دون تنقيط، وبإمكاننا كتابة أبيات شعر نقرأها من اليمين للشمال والعكس، وبإمكاننا النحت والاشتقاق، وكثير من الطرائف الجميلة والغرائب الأجمل التي تقدمها لنا في قوالبها. وتأتي اللغة العربية حالياً في المرتبة الرابعة بعد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية من حيث ترتيب اللغات في الكرة الأرضية، فهي من أكثر اللغات انتشاراً في العالم، ويتحدث بها ملايين البشر كلغة ثانية تختلف كثيراً عن اللهجات التي تتحدث بها الدول العربية في الأصل، ويعزز وجود اللغة العربية في الكرة الأرضية أنها لغة الدين الإسلامي الذي يدخله كل يوم أفواج من البشر في كل بلاد الدنيا، ألا تستحق لغة عظيمة نزل بها القرآن العظيم أن تكون الأولى عالمياً؟