حظي الأستاذ داود الشريان بجمهور عريض من الجمهور، وكانت قاعدته الناس البسطاء، والذين يريحهم بما يقوله، بمعنى يفش خلقهم كما يقول الحجازيون..حيث يصب جام غضبه على الهيئات والمؤسسات التي يرد منها تقصير بحق هؤلاء المساكين.. لذا فقاعدته الجماهرية كبيرة جداً، والثامنة أصبحت وقتاً ممتعاً بالنسبة لهؤلاء وسعيداً يتناقله الناس في أحاديثهم. عندما قابل الشريان بعض الموقوفين، تكاثر الحديث وتشعب بين الناس، حيث لقيت الحلقات تلك جمهوراً كبيراً من المشاهدين؛ صغاراً وكباراً، مثقفين وغير مثقفين، كانت الحلقات جاذبة لأن الناس كانت في شغف لتعرف ماذا يدور في داخل المكان وفي عقول هؤلاء الناس.. وكثرت التعليقات وقتها، خاصة كان الطعم الأول هو (وليد السناني) الذي ظهر ظهوراً مفجعاً، عبر حديث مع الشريان في جر وجذب.. علا نجم الشريان أكثر وكبرت قاعدته عندما تلمس قضايا إنسانية فيها من الظلم الكثير، وأخذت دوراً كبيراً وبدا وكأنه المصلح المنتظر.. بل إن الكثيرين صاروا يرون فيه أملهم في طرح قضاياهم، وكان ذلك شيئاً جيداً ففي حالة عدم وجود قنوات رسمية وواضحة للحقوق، يبقى الإعلام هو الوسيلة الأكثر سرعة والتفاتاً.. كبر نصيب قناة الام بي سي من المشاهدين. وجذب ذلك المعلنين ومن ثم كثر دخلها من الإعلان والاتصالات.. وهذا حق لا نعترض عليه. خلال حلقتين قدم الشريان عن السحر والعين، وكان ضيوفه قارئين للرقية بدا أحدهما أكثر عقلانية من الآخر وثالثاً باحثاً وراقياً بالوقت ذاته.. وحالة مريضة منذ عشرين عاماً يتناوبها (المشايخ)رقية وعلاجاً.. لقد بدت الحالة (حليمة) وكأنها فأر تجارب داخل الأستديو. ومشكلتها يتقاذفها ثلاثة رابعهم المقدم داود الشريان. كان منظرها مؤلماً، وهي تنظر ذات اليمين والشمال لهم، والجمهور طبعاً يتابع، وأخيراً يقرأ الباحث في الرقية!!، عليها فتسقط وتتجشأ..ثم تعاد ليعاد تناول قضيتها.. كل ذلك أمام الجمهور، وهذا ذكرنا بأيام سابقة حيث كانت المحطات التجارية، التي تحضر جمهوراً من الناس وهناك من يقرأ على المسرح ثم يتساقطون وينصرعون، كما كانت هناك مجلات للغرض ذاته يضحكون بها على عقول المساكين ويزيدون الجهل تجهيلاً. ظهرت بعد ذلك قنوات متخصصة بالدجل والرقى، وبما أن النساء أكثر جهلاً فكانت المتصلات الأغلب. يعرضن أوجاعاً جسدية ونفسية، وسحراً وعيناً وخادمات وينصب غضب عليهن، يعرضون أجساداً تضرب ليخرج الجني، ووصل ببعض الدجالين أن أزهقوا أرواحاً. بعض تلك تم إغلاقها من سلطات أوطانها وبعضها لازال يمارس شعوذته.. يسرق العقول والمال.. ولكن بقية ورش الشعوذة تعمل بأمان. لم يكن الأستاذ الشريان بحاجة لمثل هذه الأمور، وقد بدا وكأنه يؤيد ذلك، ولم يكن في الحلقتين طبيب ولا آخر نفسي.. تفرد بالحلقة رقاة وباحث ولا نعلم هذا الباحث لأي مؤسسة يتبع وضحية المرض والمكابدة السيدة (حليمة). التركيز على السحر والعين وما إليهما من أمور تبدو غيبيات، صحيح تم ذكرها في القرآن، وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يجب التركيز عليها كثيراً ولا أن تتم الرقية على السيدة في الأستديو. لا نعرف بهذه الأمور، ولا يجب أن تؤخذ مأخذاً كبيراً، فهناك أمور أكثر أهمية، ومهما تم الحديث عنها لا تنتهي، من حقنا كجمهور أن نجد سعياً أكبر للمعرفة وزيادة أكثر في فتح قنوات التواصل، حيث يكون الحق واضحاً للجميع، هناك قضايا كبيرة يتغاضى عنها حاملو مشعل المحاورة، هناك قضايا أمة ومصير، وقضايا عمل وتربية، ومدارس ومناهج، لا يكفيها حلقة يتيمة ولا حلقتان.. هناك الفقر في بلد غني، فالجهل بالحقوق والواجبات هو استيلاء.. والواسطة هي طريق معبدة لثني الحق لأناس دون آخرين.. ولا تنمو هذه الأشياء وتزدهر إلا في ظل وعناية من الجهل والتجهيل.