قد يكون فيلم (عبد لاثنتي عشرة سنة-12 Years a Slave) أهم فيلم عرضه مهرجان دبي السينمائي وذلك لعدة اعتبارات أولها أن الفيلم اكتسح -ولا يزال- موسم جوائز السينما الأمريكية حيث رشح أول أمس لسبع جوائز غولدن غلوب من بينها جائزة أفضل فيلم إلى جانب تصدره لأهم القوائم النقدية في أمريكا كأفضل فيلم في السنة، وثانياً أن مخرج الفيلم ستيف ماكوين بات اليوم من الأسماء السينمائية المهمة التي يعتبر أي فيلم جديد لها حدثاً سينمائياً يحتفي به الجمهور والنقاد حول العالم وذلك بعد أن قدم فيلمين ممتازين يعتبران جواز عبوره نحو النجومية بأصالتهما وجودتهما شكلاً ومضموناً وهما؛ فيلم (جوع-Hunger) الذي قدمه عام 2008 وفاز به بجائزة الكاميرا الذهبية من مهرجان كان السينمائي، وفيلم (عار-Shame) الذي رشح للبافتا عام 2011. ستيف ماكوين مخرج الأفلام القصيرة الذي صنع حتى الآن ثلاثة أفلام طويلة فقط؛ يحفر عميقاً في أفكاره حتى يصل إلى جذورها الفلسفية، متحملاً في سبيل ذلك كل ما يعترضه من قسوة وألم، ففي الفيلم الأول "جوع" يذهب إلى السجن البريطاني الذي ضم أعضاءً من حزب العمال الإيرلندي ليتأمل في معنى الحرية والثورة عبر حوارات عميقة بين الثوار، أما في فيلمه الطويل الثاني "عار" فيعرض الدمار الروحي والأخلاقي الذي يعيشه الفرد في عالم ما بعد الحداثة المتشظي، فيما يذهب في فيلمه الجديد "عبد لاثنتي عشرة سنة" إلى عالم مختلف شكلاً ومضموناً عن فيلميه السابقين، لكنه يشترك معهما في إيغاله في القسوة والألم. لقطات من الفيلم يروي الفيلم قصة نضال السيد الأسمر سولومان من أجل استعادة حريته خلال 12 سنة قضاها في الجنوب الأمريكي في الفترة التي سبقت اشتعال الحرب الأهلية الأمريكية. كان السيد سولومان حراً ويعمل عازفاً للكمان في واشنطن عاصمة الشمال ويعيش حياة طبيعية مع زوجته وطفليه الصغيرين، لكنه يتعرض للاختطاف من قبل عصابات الرقيق التي تبيع السود للإقطاعيين في الجنوب، وهكذا يجد سولومان نفسه عبداً مملوكاً دون أي اعتبار لمكانته السابقة، ويعيش تحت نير العبودية وعذابها قرابة الاثني عشر عاماً، دون أن يعلم شيئاً عن مصير عائلته، ودون أن يعلم أحد عن مصيره وعن المآسي التي سيكابدها في طريقه نحو استعادة الحرية. قصة الفيلم تستند إلى وقائع حقيقية جرت في منتصف القرن التاسع عشر وتم تدوينها في مذكرات ألفها السيد سولومان ونشرها بنفس اسم الفيلم عام 1853 وحكى فيها رحلته في جحيم العبودية منذ أن تم اختطافه وحتى عودته إلى وطنه. وهي الرحلة التي جعلته فيما بعد ناشطاً فاعلاً ومؤثراً في حركة تحرير العبيد التي أشعلت شرارة الحرب الأهلية بين شمال وجنوب أمريكا. يصور ستيف ماكوين هذه الرحلة بكل قسوة ممكنة؛ مشاهد التعذيب التي ينتزع فيها لحم العبيد على وقع السياط، الاغتصاب، والانتهاك السافر للإنسانية، مشاهد فاقت في واقعيتها ما تم تصويره سابقاً في أفلام ناقشت تلك الفترة. ويصل ماكوين بفضلها إلى أعماق الجحيم، مجسداً المعنى المؤلم للعبودية، وذلك من خلال عينيّ سولومان الذي يرى مشاهد التعذيب أمامه دون حول ولا قوة، فيرى الأم التي يؤخذ منها طفلها، ويرى الشابة التي تستغل من قبل مالكها الأبيض، وذلك الذي يشنق لمجرد أنه أبدا رأياً في شأن يخصه. الممثل شويتير إيجيفور جسد شخصية سولومان باقتدار مكّنه من الترشح للغولدن غلوب، كما كان لطاقم الممثلين تميز في نقل بشاعة تلك المرحلة المظلمة من التاريخ الأمريكي، خاصة الممثل الشاب بول دانو الذي أدى شخصية الأبيض الكاره للسود، والممثل المتميز مايكل فاسبيندر رفيق درب المخرج ماكوين الذي شارك في كل أفلامه الثلاثة والذي رشح للغولدن غلوب كأفضل ممثل مساعد بأدائه لشخصية الإقطاعي الجنوبي الذي يتلذذ باضطهاد العبيد المملوكين له. كما كان للنجم براد بيت إطلالة مميزة.. ومحورية. الفيلم يقدم وثيقة سينمائية مركزة ومتقنة ومرعبة لفكرة العبودية، يتجاوز به ستيف ماكوين حدود الجنوب الأمريكي بكادره البصري الواسع المفتوح والمختلف عن الضِيِق الذي خنق فيلميه السابقين. ستيف ماكوين