ربما يتذكر الذين قرأوا حلقة الاسبوع الماضي ما قاله المستكشف الياباني أيجيرو في كتابه (الرحلة اليابانية إلى الجزيرة العربية) الذي جاء سنة 1358 ه ضمن وفد ياباني إلى الرياض وهو يصف الأمطار الغزيرة التي هطلت على العاصمة وأخرت موعد رحلتهم أربعة أيام فشعر حينها بل توقع مزيدا من الصعوبات تنتظر الرياض في مستقبل أيامها مع السيول ومع وادي حنيفة الذي كان قد تحول إلى نهر عظيم عرضه 300م أثناء مشاهدته للوادي من خلال شرفة مقر اقامته بالبديعة واذ نواصل في حلقة اليوم بقية الوصف نود التنويه إلى العبارة التي فهمها الكاتب وكأنها معتقد بينما هي في الحقيقة لا تتجاوز كونها نوعا من الحفاوة والترحيب السائد لدينا الذي يتبادله العرب فيما بينهم ولا زالوا مثل كلمة(جيتونا وجانا المطر) التي قيلت للوفد بهذا المعنى وفي أكثر من مكان كما سيرد في آخر يوميته التي قال فيها: 50 أوقية ذهب.. هدية الملك لمن يرسل تقريره أولاً عن المطر قدمت سيارة من قصر الملك لترى ماذا نفعل، توقفت أمام القصر حيث اعترضها نهر من الماء حال بينها وبين الدخول، ولحسن الحظ كان الهاتف يعمل ولهذا امكننا أن نجري على الاقل اتصالا هاتفيا، وحيث لا يمكننا أن نفعل شيئا أخذنا نلعب الشوغي في ضوء المصباح، خفت شدة المطر وأراد المهندسان الامريكيان أن يدعوانا للعشاء، ولبينا دعوتهما وفي ايدينا بطاريات الاضاءة، كان الجو في الخارج مظلما ظلاما شديدا ووصلت المياه إلى مستوى الركبة، ونحن نمشي إلى حيث يقيم المهندسان، وحين وصلنا الي غرفتهما، كانا يصيحان لان الماء بدأ يتساقط من سقف الحجرة، وبدا كأن السقف كله سيسقط إذا استمرت الامطار على هذه الحالة، ومهما يكن من أمر فقد تناولنا الطعام، بدأ المهندس الكهل (48) سنة كعادته لا يهتم بشيء على الإطلاق، بينما كان المهندس الشاب قلق جدا، قال انه كان على وشك الذهاب إلى الحسا للحصول على بعض المعدات اللازمة للحفر، وقد جهز نفسه تماما وأعد كل شيء للرحيل، ولكنه وجد نفسه فجأة يلغي كل شيء. لهذا كان غاضبا جدا لان المطر غير كل شيء. رجعنا إلى غرفتنا ولعبنا الشوغي. وكان المطر لا يزال ينهمر إلا أن الماء القادم من التلال العالية قل إلى حد ما، ولم يعد بالغزارة السابقة نفسها. استيقظت واستحممت، ثم صعدت إلى سطح المبنى فرأيت أن الماء أصبح ضحلا، وجف ثلث الماء الموجود في الحديقة والحقول، وغدا الجو جميلا، وشعرت بأنه يمكننا أن نبدأ رحلة العودة خلال يومين. ولكن هطلت الامطار فجأة غزيرة كالشلال ثم توقفت فجأة أيضا. انها طبيعة هذه المنطقة العربية عجيبة. كان أمام مرآب السيارات بركة يبلغ عمقها نحو15 سم من الماء على جدران المبنى بقايا الطين الذي جرفه السيل، نصف الجدار تقريبا كان ملطخا بالطين، وهذا يعني أن أمطار الامس كانت غزيرة وشديدة جدا. كان المهندس الامريكي الشاب يلتقط صورا لهذا المنظر وقال لنا: انه يرى هذا المنظر لأول مرة منذ ان قدم إلى هنا منذ أكثر من سبعة أشهر. رحنا ننظر إلى مصدر الماء في أعالي وادي حنيفة. لم تكن هناك مياه لكن في المنطقة المنخفضة من الوادي كانت المياه لا تزال تجري بشكل دوامات، شاهدنا حوالي ست نساء يمشين عند الماء، ويحاولن العبور إلى الناحية المقابلة لكنهن لم يستطعن ذلك فقد كن يخشين من ان تبتل ملابسهن. ولهذا تمكنا من مشاهدة أرجلهن.!! كن من القواعد من النساء، فقد شاهدنا خطوط الزمان على أرجلهن ومهما يكن من أمر فقد شاهدنا بشرة النساء، ومهما كن هؤلاء النسوة فقد حصلت المشاهدة بالنسبة لنا بعد زمن طويل، وبقيت أنظر لهؤلاء النسوة، فلم أتمكن من ترتيب برنامجنا المتوقع في جدة.!! السيل في وادي حنيفة بعد الغداء خرجنا نشاهد المنظر خارج المبنى، ووصلت سيارة إلى الناحية المقابلة ونزل منها ستة من العرب يرتدون المشالح، واقتربوا من مكان تجمع الماء القريب من المسجد، كانوا جميعا يجلسون كما لو كانوا يصيدون السمك، مكثوا نحو ساعة.!! يشاهدون الماء. سألت عبد السلام ماذا يفعل هؤلاء؟ فقال إنهم مراقبو السيل أرسلهم الملك وسوف يفحصون كمية المياه، وكيف وصلت إلى المنطقة، ونسبة الماء: ثم يكتبون تقريرا إلى الملك وتحدثت معهم، وطلبت منهم أن يبقوا حتى ألتقط لهم صورة فوقف كل واحد منهم وعدل من هندامه، وأعد نفسه لالتقاط الصورة ثم قالوا لي من فضلك أرسل لنا الصورة بعد طبعها فقلت لهم سأرسلها طبعا، تحسن الجو كثير جدا وصاح احدهم: الحمد لله ربنا رزقنا بهذا المطر الوفير ثم قالوا لقد تفاءلنا باستقبال الوفد الياباني، وهكذا تحقق هذا التفاؤل كنت اعتقد ان حديثهم هذا نوع من التملق، لكن بعد ذلك قال يوسف يس الشيء نفسه، كما قال وزير المالية عبدالله السليمان العبارة نفسها، وفي طريق عودتنا قال لنا أمير الدوادمي ايضا ما ذكره هؤلاء لنا، لهذا شعرنا بأنهم تفاءلوا فعلا في حين الأمر بالنسبة لنا مختلف، فقد كان المطر والجو العاصف يعني التشاؤم لذلك شعرنا بالراحة بعد معرفة حقيقة شعورهم وبأنهم فعلا تفاءلوا بقدومنا. وسمعت أن هناك تقريرا عن المطر وصل إلى الملك من كل قبيلة في المملكة، وأن الرجل الذي يرسل تقريره أولا ينال منحة ذهبية من الملك، تصل إلى نحو 50 أوقية لكن هؤلاء الناس مراقبي السيل لم يفحصوا الأمر بالآلات أو بالطرق العلمية بل استخدموا أسلوب المشاهدة بالعين، وسوف يرفعون تقريرهم إلى الملك قائلين إن في هذا المكان أو في غيره كذا سنتمترات من الماء، وان الأشجار سقطت وطفت، وان البيوت المصنوعة من الطين تهدمت ومثل هذه الأمور. (يتبع )