على الرغم من الصدمة التي أحدثتها وفاة نلسون مانديلا كانت جنوب افريقيا تتوقع منذ سنوات رحيل اول رئيس اسود للبلاد يرى فيه مواطنوه شخصية راعية وحامية لهم، ويلقبونه "تاتا"، الكلمة التي تعني باحترام كبير الاب. ومانديلا الذي توفي ليل الخميس الجمعة عن 95 عاما، لم يكن يتدخل في مسيرة البلاد منذ سنوات. وكان نائب مدير العلاقات بين الاعراق فرانس كروني صرح قبل اشهر لوكالة فرانس برس ان وفاته "لن تحدث تغييرا كبيرا في جنوب افريقيا لانه انسحب من الحياة العامة منذ سنوات" و"تأثيره السياسي محدود جدا". الا انه اضاف حينذاك "لكن في اي وقت يحدث ذلك، فانه سيشكل صدمة وحزنا وطنيا هائلا بسبب تأثيره على جنوب افريقيا في السنوات السبعين الاخيرة وعلى حياة معظم سكانها". وتحدث مانديلا علنا للمرة الاخيرة في ابريل 2009 خلال تجمع انتخابي لحزبه المؤتمر الوطني الافريقي. وقد اعترف فيه بفشله بشكل غير مباشر. وقال "علينا ان نتذكر ان مهمتنا الاولى هي القضاء على الفقر وتأمين حياة افضل للجميع". وبعدما انتخب رئيسا في 1994 لولاية مدتها خمس سنوات، كلف نائبه ثابو مبيكي بادارة الشؤون الجارية. وخلفه مبيكي في المنصب (1999-2008) ثم غاليما موثلانتي واخيرا جاكوب زوما في 2009. وقال الخبير السياسي اولمو فون ماينفيلد "في صفوف بعض الاقليات يسود قلق مما سيحدث بعد موت مانديلا"، مؤكدا ان "جنوب افريقيا تبقى بلدا يشهد انقسامات". واضاف ان "مانديلا لم يعد يشارك في حياتنا الديموقراطية منذ عشر سنوات وهذا لم يمنع جنوب افريقيا من ان تبقى مستقرة لعشر سنوات". وتحدثت شائعات نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي عن ثورة سوداء وقتل للبيض بعد وفاة مانديلا، لكن المحللين يرون ان هذه التكهنات اقرب الى الخيال منها الى الحقيقة. وقال فون ميينفيلد ان مانديلا يجسد الحنين الى السنوات الاولى التي تلت سقوط نظام الفصل العنصري ايضا واتسمت "بفرح كبير وطاقة ايجابية حول ما يمكن لابناء هذا البلد ان يصنعوه بالعمل معا، وربما ببعض السذاجة، حول التحديات المقبلة". وفي فبراير 2012، كتبت صحيفة تايمز التي تصدر في جنوب افريقيا بعد ادخال مانديلا المستشفى للخضوع لفحوص طبية "يبقى ابا لامتنا الجديدة هذه ووجوده يبعث على الاطمئنان وان كان لا يشغل حيزا كبيرا في الحياة العامة". واضافت ان "تصور جنوب افريقيا بدونه يغرق كثيرون منا في حزن". لكن هذه النظرة تبدلت تدريجيا عندما ادخل مانديلا مرات عديدة الى المستشفى مما ساهم في جعل الناس يستعدون لفكرة رحيله. وعند ادخاله للمرة الاخيرة الى المستشفى في الثامن من يونيو، قال احد اصدقائه القدامى للصحافيين "على العائلة ان تترك امره لله الآن (...) نقول شكرا لله لانه اعطانا هذا الرجل وندعه يرحل".