تحدثنا في الأسبوع الماضي عن مرحلة الرضيع وهي الفترة التي تبدأ ببداية الأسبوع الثالث من الولادة إلى نهاية السنة الثانية، وها نحن اليوم نكمل الحديث عن هذه المرحلة لنتحدث عن مرحلة الطفولة المبكرة والتي تبدأ مع بداية السنة الثالثة إلى نهاية سن السادسة، أي قبل الدخول للمدرسة، حيث تسمى هذه المرحلة بمرحلة ما قبل المدرسة على اعتبار أنها تمتد حتى دخول الطفل للمرحلة الابتدائية، وهي مرحلة تتميز بسرعة النمو، إلا أنها لا تصل إلى السرعة التي مر بها الطفل بالمرحلة السابقة والتي تسمى بمرحلة الوليد او الرضيع وهي المرحلة التي تمتد من الولادة إلى نهاية السنة الثانية. يتركز نشاط الطفل في هذه المرحلة حول التعرف على البيئة المحيطة به من اجل اكتساب مهارات ومفاهيم وتعلم الخطأ من الصواب. وحقيقة تعد هذه المرحلة مرحلة الغرس او مرحلة السؤال حيث يكثر الاطفال من السؤال لاكتشاف الاشياء التي تحيط بهم بسبب ان الطفل يولد وعقله صفحة بيضاء يريد ان يملأه بالأجوبة. مراحل النمو التي يمر بها الرضيع النمو الجسمي والفسيولوجي: هناك زيادة واضحة في الطول والوزن والحجم في هذه المرحلة، حيث يزداد الوزن بمعدل 1كجم تقريبا بالسنة، ويصل وزن المخ بنهاية هذه المرحلة إلى حوالي 90% من وزنه عند الرشد. وفي هذه المرحلة يتحكم الطفل في عملية الإخراج بنسبة عالية قد تصل إلى ال100%، فقط يحتاج إلى التذكير مع بداية السنة الثالثة، وأما النوم فيحتاج الطفل إلى حوالي ال12ساعة باليوم، وأما الغذاء فيستطيع الطفل بهذه المرحلة هضم الغذاء الجامد. يتركز نشاط الطفل في هذه المرحلة حول التعرف على البيئة المحيطة النمو الحركي: تسمى هذه المرحلة بمرحلة النشاط الحركي المستمر، حيث تتميز حركات الطفل بالشدة وسرعة الاستجابة والتنوع ولو أنها في البداية تبدو غير متزنة أو غير مترابطة أو غير منسجمة، ويكاد النمو الحركي في البداية ينحصر في العضلات الكبيرة ثم تدريجيا يبدأ بالسيطرة على عضلاته الصغيرة، ولذا نجده بنهاية هذه المرحلة يجري ويقفز ويتسلق ويقود الدراجة. كما أن 95% من الأطفال يستطيعون بنهاية هذه المرحلة الكتابة باليد اليمنى و5% باليد اليسرى او كلتا اليدين. النمو الحسي: يتلذذ الطفل في هذه المرحلة باستخدام حواسه، ولذا نجده شغوفا بتذوق وشم وفحص واكتشاف الأشياء. فالطفل في بداية هذه المرحلة لا يميز بين اليمين واليسار و ال6 وال60 أو الأوزان المتقاربة، إلا أنهم يتمكنون من فهم ذلك بنهاية المرحلة أو مع دخولهم للمدرسة. أما فيما يتعلق بإدراك الزمن ففي سن الثانية لا يدرك الطفل إلا الحاضر، ثم يتطور إدراكه ليدرك الغد في سن الثالثة، ثم يدرك في سن الرابعة المدلول الزمني للماضي، وفي سن الخامسة يستطيع الطفل إدراك تسلسل الأحداث ليعرف الأيام وعلاقتها بالأسبوع (زهران، 2005). النمو اللغوي: تسمى هذه المرحلة بمرحلة السؤال حيث ان 10-15% من حديث الطفل في هذه المرحلة عبارة عن أسئلة، وهو غير ملام في ذلك لأنه كما قلنا في حلقة سابقة ولد وعقله صفحة بيضاء، فهو يريد أن يملأ هذه الصفحة بالاستفسار عن الكثير من الأمور لاسيما أن المساحة من الحركة التي تعطى له تجعله يطلع على أمور جديدة لم يألفها من قبل، وهذه الأمور تحفزه كي يسأل ليسبر غورها، وهنا اشدد على الوالدين بضرورة الاستعداد للأسئلة لاسيما أن بعضها محرج ويجد الوالدان صعوبة في الإجابة عليها. ويلاحظ أيضا على الطفل في هذه المرحلة نمو مفهوم المحاولة والخطأ حيث ان الطفل إذا لم يجد من يساعده في اكتشاف الظواهر المحيطة به فإنه يلجأ إلى المحاولة والخطأ كي يكتشف هو بنفسه الإجابة على تلك الأسئلة المحيرة، وهنا أهيب بالوالدين من أن الإحجام عن مساعدة الطفل في معرفة الأمور المحيطة به يجعله يتعلمها بشكل خاطئ، أو قد يستغلها أصحاب المذاهب والأفكار المنحرفة بإعطائه إجابات قد تغير مجرى حياته، بل ربما تضر بمعتقده، ولذا علينا الانتباه لهذه النقطة والتركيز عليها. نقطة أخرى تلاحظ على الأطفال في هذه المرحلة ألا وهي اللعب الإيهامي أو الخيالي وكذا أحلام اليقظة وبالذات في أوساط البنات باللعب والحديث مع الدمى والعرائس. مرحلة الغرس أسرع نمو: هذه المرحلة هي وبحق أسرع نمو لغوي يمر به الطفل سواء من حيث التحصيل او التعبير او الفهم، حيث نجد أن للنمو اللغوي قيمة كبيرة في التعبير عن النفس والتوافق الشخصي والاجتماعي والنمو العقلي، علما بأن الذكاء له علاقة قوية بتكوين اللغة، بمعنى انه كلما زاد ذكاء الطفل زادت حصيلته اللغوية، ثم اننا لا يمكن أن نغفل من أن الاناث أكثر كسبا للغة مقارنة بالذكور. النمو الانفعالي: يزداد تمايز الاستجابات الانفعالية خاصة الاستجابات الانفعالية اللفظية لتحل تدريجيا محل الاستجابات الانفعالية الجسمية. وتتميز الانفعالات هنا بأنها شديدة ومبالغ فيها، بمعنى حب شديد أو كره شديد أو انفعال شديد. كما تظهر نوبات الغضب المصحوبة بالاحتجاج اللفظي. وتظهر في هذه المرحلة أيضا الانفعالات المتمركزة حول الذات مثل الشعور بالذنب أو الثقة أو النقص أو الخجل. النمو الاجتماعي: يزداد وعي الطفل بالبيئة الاجتماعية ونمو الألفة وزيادة المشاركة الاجتماعية، وتتسع دائرة العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي في الأسرة ومع جماعة الرفاق والتي تزداد أهميتها ابتداء من العام الثالث. يتعلم الطفل أيضا المعايير الاجتماعية التي تبلور الدور الاجتماعي له، كذلك ينمو الوعي والإدراك الاجتماعي والذي تظهر بوادره بتمسك البعض منهم بالقيم والمعايير الاجتماعية. كما أن حب الصداقة يكون واضحا بهذه المرحلة مع ظهور حب الزعامة للحصول على المكانة الاجتماعية حيث يتضح ذلك من خلال جذب انتباه الراشدين. ينمو أيضا في هذه المرحلة لدى الطفل حب الاستقلال والرغبة في المنافسة ونمو الضمير. النمو الجنسي: تكثر في هذه المرحلة الأسئلة الجنسية، حيث يسأل الطفل عن الفروق بين الجنسين ولماذا الأعضاء التناسلية عند الفتيان تختلف عن الفتيات ويظهر مايعرف في علم النفس بحسد القضيب!. كما أن الأطفال في هذه المرحلة يسألون كيف أتينا؟ ومن أين جئنا؟ ولهذا لابد للوالدين من الاستعداد للإجابة على مثل هذه الأسئلة. كما أن اللعب الجنسي يكثر بين الأطفال كلعبة العريس والعروس. النمو الديني: كما هي طبيعة هذه المرحلة بكثرة الأسئلة فإن الأسئلة الدينية تأخذ حيزا من هذه الأسئلة، حيث نجد أن الطفل يسأل مثلا: من هو الله؟ وأين هو؟ ومن هم الملائكة؟ وماهو الدين؟ ولماذا نصلي؟ وماهي الجنة والنار؟ وما هو الموت والبعث؟ والشعور الديني لدى الأطفال بهذه المرحلة يكون شكليا إلا أن الطفل يبدأ في نهاية هذه المرحلة باكتساب المعايير الدينية كالحلال والحرام وغيرها من المعايير الدينية الأخرى. وسوف نتحدث بتوسع أكثر عندما نتطرق للطفولة المتوسطة في العدد القادم بحول الله وقوته.