أربعة أيام وأربع صفحات اختزلت عقداً من المفاوضات النووية التي دارت رحاها بين القوى الكبرى وإيران. كان الاتفاق الذي صيغ فجر الأحد في جنيف تاريخياً، ونقطة تحول محورية للخليج والشرق الأوسط . ماذا يعني هذا الاتفاق للمملكة ؟ قبل أن يلج وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ إلى صالة الاجتماعات في مقر انعقاد المفاوضات النووية، قال هيغ إن السعوديين على علم بما يجري في هذه المفاوضات. وقبل ذلك أحاط نظيره الأميركي جون كيري الصحافيين في المملكة بأن الخليجيين حلفاء واشنطن سيتم إطلاعهم على ما يجري وأن المفاوضات لن تحمل مفاجآت. وقبل ذلك كان الحديث بأن الفرنسيين والخليجيين على اتفاق بضرورة ما يمكن أن يحدث خلال تلك المفاوضات. لكن المملكة ودول الخليج تخشى أن يسهم الاتفاق النووي في إعطاء طهران دوراً إقليمياً أكبر في المنطقة. لطالما كانت المملكة تعبر عن دعمها لحق الدول في امتلاك طاقة نووية سلمية مع ضرورة أن تقوم طهران بطمأنة الجوار الخليجي الذي يعتبره محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني أولوية بالنسبة لبلاده. وخلال الفترات التي سبقت وصول الرئيس حسن روحاني إلى سدة الرئاسة في إيران شنت القيادات في طهران تهديدات كثيرة على دول الخليج وهو أمر كفيل بتبديد أي بادرة لحسن الظن . إلا أن القيادة الإيرانية الجديدة سعت لتبديد تلك المخاوف عبر تصريحات ايجابية، لكن العبرة بالأفعال كما قال وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل. وبالرغم من الجوانب الايجابية للاتفاق الذي أنجزته القوى الكبرى وإيران وأهمها تجنيب المنطقة الخليجية شبح الحرب، إلا أن المملكة ودول الخليج تخشى أن يؤدي الاتفاق النووي الأخير إلى خلل في التوازنات الإستراتيجية في المنطقة من شأنه أن يؤثر في القضايا التي ترى الدول العربية أنها شأن داخلي بحت. كما تخشى دول "التعاون" أن يسهم الاتفاق النووي في تعزيز الاستقطابات في المنطقة، الأمر الذي من شأنه تصعيد الأزمات الراهنة وأبرزها المسألة السورية ، التي ربطها كثير من المحللين بالملف النووي الإيراني على أساس أن من شأن التوصل إلى اتفاق أن يسهم في حلحلة الموقف السوري والانخراط بفعالية في "جنيف 2". لكن المملكة وإن لم يصدر عنها حتى الآن أي تعليق حول الاتفاق النووي، إلا أن قمة الرياض الثلاثية أول من أمس، قد تكون تطرقت إلى هذا الملف الساخن. وكانت المملكة عبرت عن وجهة نظرها بضرورة أن يكون الملف السوري جزءاً من الاتفاق النووي، وأن سحب قوات الحرس الثوري ومليشيات حزب الله من سورية من شأنه أن يكون بادرة لحسن نوايا طهران. ويلفت الدكتور محمد السلمي الخبير في الشأن الإيراني إلى أن "صفقة جنيف" ليست بمعزل عن الأوضاع في سورية. ويضيف "كما نعلم أن الأخضر الإبراهيمي قد حضر الاجتماعات، فبأي صفة يكون الحضور وهو مبعوث السلام الأممي إلى سورية، إن لم تكن الأزمة السورية وتطورات المنطقة في قلب المفاوضات؟" ويوضح الدكتور السلمي أن موقف المملكة يتلخص في نقطتين؛ الأولى أنه ورغم التنازلات الإيرانية الكبيرة فيما يتعلق بالبرنامج النووي، إلا أن ذلك قد يعمل فقط على تأخير وليس إيقاف المشروع النووي الإيراني. وثانيهما، أن الصفقة مع إيران مقابل هذه التنازلات قد تكون على حساب دول الجوار العربي، ومنح إيران دوراً أكبر في عدد من الدول لاسيما العراق وأفغانستان ولبنان وقد يضاف اليمن إلى ذلك أيضاً. يبقى أن نقول إن الاتفاق النووي الايراني لم يكن اتفاقاً فنياً وأرقاماً، وإن كانت نسب التخصيب المسموح بها حسب الاتفاقية دون 5% وهو حق تكفله الوكالة الدولية، وإنما في بعده الأعمق يعد وثيقة سياسية لدور إيران في المنطقة. جون كيري يصافح جواد ظريف والى جانبهما لوران فابيوس بعد صدور بيان جنيف ( ا ف ب )