لمجلة "المنهل" في قلوب الأدباء منزلة حية وكرامة أدبية نظراً لما تنشره من مواد أدبية وثقافية ودينية بأقلام مختلفة من الخليج العربي وامتداداً إلى المحيط الأطلسي الغربي، ولذلك نجد في كل عدد منذ سنين طويلة دراسات ومقالات وقصائد وانتاجات شتى يعول عليها في الكتابات الأدبية وفي المؤلفات الكتبية وفي الأبحاث العلمية. وفي شهر رجب 1386ه الموافق نوفمبر 1966م أصدر الأستاذ الأديب والصحفي الكبير عبدالقدوس الأنصاري عدد "المنهل" الخاص بتراجم وأدب أدباء المملكة السعودية المعاصرين الذين تجاوز عددهم المائة والخمسين أديباً وشاعراً وكاتباً ومثقفا وهو عدد ثري بالتراجم وحيواة الأدباء يشمل تاريخهم باختصار وسيرهم بالتي هي أحسن، وقد بذل رئيس التحرير لهذا العدد جل جهده وعلمه وتعامله لإخراجه على الوجه المكمل للمعروف من الكتب التي صدرت قبل هذا العدد الخاص من "المنهل" وهي: أولاً: أدب الحجاز لمحمد سرور الصبان ثانياً: وحي الصحراء لمحمد سعيد عبدالمقصود وعبدالله بلخير ثالثاً: شعراء الحجاز في العصر الحديث لعبدالسلام طاهر الساسي رابعاً: شعراء نجد المعاصرون لعبدالله بن إدريس خامساً: الأدب في الخليج العربي لعبدالرحمن العبيد سادساً: كتاب النهضة الأدبية في نجد لحسن الشنقيطي وهذه الكتب كلها كانت من مصادر عدد "المنهل" الذي نحن بصدده ولكن الأنصاري يقول في مقدمة هذا العدد: (ومجموعة أدباء المملكة المتحدث عنهم في هذا الجزء هم أوفر عدداً من سائر المجموعات التي صدرت قبله، وهو يعني ما ذكرناه من الكتب الآنفة الذكر). وبطبيعة الحال فهو لا يعني الكثرة في العدد بقدر ما يعنيه من السير الأدبية وإحصاء أدبيات الأدباء هؤلاء، وتقويم آدابهم وفنونهم المعرفية، إضافة إلى ما أنتجوه من كتب ودواوين شعرية ومؤلفات ثقافية، ومع شمولية هذه التراجم في هذا العدد فإن محرره الشيخ عبدالقدوس الأنصاري اتخذ من أفواه بعض المترجم لهم عن تراجم حياتهم وما أخذه منهم بالهاتف، ويقول بعد ذلك: (ومع كل ذلك لا أجزم بأني تمكنت من إحصاء أدباء المملكة المعاصرين جميعاً، فهم الآن كثر ومنتشرون في سائر أنحاء المملكة، وبعضهم ذو انتاج منشور وبعضهم مطوي الإنتاج) مقدمة العدد الخاص بتراجم وأدب أدباء المملكة السعودية المعاصرين. عبدالقدوس الأنصاري ومن تواضع الشيخ الأنصاري أنه يقول في نفس المرجع ، هذا وإن الفكرة التي بني عليها إصدار هذا الجزء تعود إلى أن كثيراً من المعنيين بأدب هذه المملكة المعاصر كثيراً ما اقترحوا على هذه المجلة أن تتولى إصدار كتاب أو عدد خاص يكون مرجعاً لتراجم هؤلاء الأدباء، ثم اتفق أن أبدى الصديق السيد عبيد مدني اقتراحاً يرمي إلى تحقيق هذه الفكرة فعزمت على تحقيقها) نفس المرجع. وقد عمد الأنصاري إلى تحقيق المراد بالتزام البساطة والإنجاز في هذه التراجم ولذلك لم يتجاوز أغلب هذه التراجم بضعة أسطر، وعلى الأسلوب البرقي، كما قدم لكثير من الأدباء المختار من نثرهم وشعرهم ونشر رسوم من أمكن الحصول عليها، كما عني بحسن الإخراج لوضع الرواسم "الاكليشهات" لأسماء الأدباء ولتراجم سيرهم وعناوين انتاجهم إلى غير ذلك مما يقرأه القراء. وقد طمح الأنصاري من ذلك على التكلف بهذا المصرف الباهر وهو إعداد الجزء الخاص هذا ليكون مرجعاً مقبولاً لدى الأوساط الأدبية والثقافية في الخارج وفي داخل البلاد كذلك، حرصاً منه أن يستفيد الجيل الحاضر والأجيال المقبلة معاً. ويرى المحرر الكبير وهو يعرف بهذا العدد أن يعطي القارئ فكرة موجزة عن نشأة هذا الأدب للحقيقة والتاريخ ، فإن "الحقل" الأول الذي نشأ فيه هذا الأدب الحديث المعاصر في المملكة العربية السعودية، كان الحجاز أي المنطقة الغربية من المملكة اليوم منذ نحو 50 عاماً خلت (1). ثم سرى التيار الأدبي إلى منطقة جازان وإلى مدينة الرياض وما حولها، وإلى المنقطة الشرقية، ويوضح الأنصاري ذلك قائلاً: (ولقد كان لهذا الامتداد أسباب وبواعث في طليعتها هذا الاستقرار والأمن الشاملان اللذان تنعم في بحبوحتهما المملكة العربية السعودية، والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والعمراني الذي ترفل فيه، والتطور الثقافي الذي تسير في فلكه الميمون.. مما أدى إلى الأدب الحديث لدينا خدمات جليلة.. ومما ساعده على الاتساع والتقدم والذيوع والانتشار.. وجدير بالذكر والإشادة أنه كان لأدباء المملكة فضل تأسيس وقيادة صحافتهم منذ مطلع هذه الصحافة إلى الآن..). محمد سرور الصبان ومن وفاء عبدالقدوس الأنصاري أنه يحمد ما أسدته الحكومة العربية السعودية منذ عهد مؤسسها وباني وحدتها الملك عبدالعزيز آل سعود من عطف مادي وأدبي لهذا الأدب وذويه، حتى نما هذا النمو وازدهرت شجرته المباركة هذا الازدهار واتساع ميدان الأدب الحديث لدينا متمثلاً في اتساع صحافتنا، وتقدمها حتى أصبح منها اليومي والأسبوعي والشهري بمعنى أنها سايرت صحافة العالم الحديث، كما ضاهت صحافة العالم العربي أو بزت بعضها، حيث تخرجها اليوم مطابع وطنية مستعدة متطورة حديثة – في المنطقة الغربية والوسطى والشرقية.. ومعلوم أن الصحافة والطباعة هما الأجنحة القوية التي يحلق عليها طائر الأدب في كل زمان ومكان. وأحسب أن هذا العدد الخاص بتراجم الأدباء السعوديين من مجلة المنهل يعد مرجعاً بل مصدراً لا يكافئه مرجع آخر أو مصدر غيره، إذ أن الأستاذ وفى مجموعة من التراجم الحية والنابضة بمعلومات وأفكار شاملة عن أدبائنا، وذلك بصلة المعروف الأدبي والوفاء الثقافي والهمة المعرفية مما يدل على صدق النية والعرفان لديه، فكان ذلك عملاً فعلياً وإنجازاً علمياً وثروة ثقافية لتراجم وأدب أدباء المملكة السعودية المعاصرين. ولله في خلقه شئون.