حتماً إن التعامل بين الموظفين على أساس العلاقة الأسرية -خاصة أولئك الذين يعملون في قطاع واحد- ينعكس سلباً على جودة أداء العمل ونزاهته، وعندها تشيع المحسوبية والمحاباة بينهم على أساس القرابة لا الكفاءة، وهنا قد يتم تجاهل الموظف الكفء أو تنحيته أو تهميشه، وقد يضطر المسؤول إلى الرضوخ لكثير من متطلبات قرابته العاملين تحت إدارته أو يتنازل عن كثير من المبادئ؛ لكي يرضيهم على حساب الآخرين، وإلاّ فإنه قد يجد نفسه عرضة لنقد أقاربه، وحينها قد ينعتونه بالعديد من الصفات السلبية، وكما يقول العامة:"فلان ما فيه خير، ولا ينفع ربعه"، وهذا -للأسف- هو المبدأ السائد في بعض القطاعات، كما أن هناك بعض الشواهد التي تشير إلى طغيان عامل القرابة في هذه القطاعات ومحاباة بعضهم البعض، إلى جانب تقديم مصالح أقاربهم المراجعين على حساب المراجعين الآخرين الذين لا تربطهم بهم أيّ علاقة. علاقة قرابة ويرى "رائد العثمان" أن علاقة القرابة أو الصداقة أو الجماعة الواحدة إذا سادت في محيط العمل، فإنها تُولِّد البغضاء والحقد والكراهية بين الموظفين، وقال:"عانيت من ذلك الأمر عند بحثي عن وظيفة، إذ تم الإعلان عن توفر عدد من الوظائف في إحدى المؤسسات فتقدمت أنا وغيري للحصول على الوظائف المعلنة بحسب الشروط المطلوبة، كما أنني اجتزت بعد ذلك الاختبار والمقابلة الشخصية، بيد أنني تفاجأت أن الذين تم ترشيحهم هم أشخاص من داخل المُنشأة تمت ترقيتهم للحصول على تلك الوظائف"، مضيفاً أنه علم أيضاً أن عدداًً كبيراً منهم تربطهم علاقة قرابة أو معرفة بالمدير المسؤول. مبارك الكبيري دائرة الحرج ولفت "مبارك الكبيري" إلى أنه يعمل مديراً لأحد المراكز الصحية، وبالتالي لا يكاد يمر شهر إلاّ ووقع في حرج كبير من بعض أقاربه أو معارفه، فيأتي أحدهم ويقول:"السلام عليكم، أنا فلان، ومرسول لك من قريبك فلان بن فلان"، مضيفاً أن الموضوع قد يتعلق في كثير من الأحيان بحجز مواعيد عاجلة، أو سرعة إنهاء بعض الإجراءات على حساب أشخاص آخرين أو قد تكون أمور أخرى يمكن إنجازها في وقت لاحق، ولكنهم يُصرون على إنهائها بأسرع وقت ممكن حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين. وأضاف أنه يخدم هؤلاء متى كان ذلك لا يتعارض مع الأنظمة المعمول بها، أما إن كان الأمر غير ذلك فإنه يعتذر لهم، مبيناً أن المحزن في الأمر أنه إذا أخبر أحد هؤلاء أن الأمر غير مسموح به أو أنه يتعارض مع الأنظمة أو اعتذر له بطريقة مهذبة، فإنه يبدي حينها تفهمه للأمر وتقديره للموقف ثم لا يلبث أن ينقلب ذلك رأسا على عقب بمجرد خروجه من عنده ومقابلته أياً من أقاربه الآخرين، مشيراً إلى أنه يقول لهذا الشخص:"سوَّد الله وجهه، ما خدمني وأنا قريبه"، وغير ذلك من كلام ينقل له بين الحين والآخر، لافتاً إلى أن ذلك أدى إلى طلب إعفائه من أداء بعض المسؤوليات أو أن يقترن توقيعه بتوقيع أحد المسؤولين الآخرين؛ عسى أن يخرجه ذلك من دائرة الحرج. أزمة وعي وبين "الكبيري" أن هذه السلوكيات تعود إلى أزمة وعي وثقافة لمن يمارسونها من الذين يرون أنها حق مكتسب لهم، مشدداً على ضرورة أن يعي كل مسؤول أنه مؤتمن، وأنه يجب أن يؤدي رسالته في المجتمع بأمانة وإنسانية، وأن يتعامل مع الجميع وفق ما تقتضيه الأنظمة والقوانين المرعية في بلادنا والمنطلقة من مبادئ شريعتنا الإسلامية السمحة التي تنبذ مثل هذه التصرفات غير المقبولة، داعياً إلى أن يُطبق النظام على الجميع. عادل الأسعدي الفزعة مطلوبة وأشار "عادل بن ضيف الله الأسعدي" إلى أن "الفزعة" مطلوبة في كل مجال، سواء للأقارب أو الأصدقاء أو عامة الناس، شريطة ألا يقع ظلم للآخرين، مستشهداً في هذا الشأن بالحديث الشريف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال:"من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، مضيفاً أن المحسوبية بين الأقارب في محيط العمل على حساب الموظفين الآخرين منبوذة عند العقلاء؛ لأنها تقتصر على نفع الأقارب حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين. ماجد الغالي انقلبت الموازين وقال "ماجد الغالي": "عملت على خدمة المسافرين في أحد المطارات، وجاء أحد أقارب المسؤولين بالمطار طالباً مني خدمته قبل المسافرين الذين أتوا قبله، فتعاملت معه بالأسلوب الذي ينبغي عليّ فعله معه أو مع غيره، ولكن دون جدوى"، مضيفاً أنه بدأ في إطلاق الشتائم والكلام غير المهذب، الأمر الذي أدى إلى خروجه من "الكاونتر" وأخذه بيده والحديث معه بأسلوب جيد حتى وصلا سوية إلى قسم "شرطة المطار"، مشيراً إلى أنه ما إن أوصله هناك وأخبرهم بما فعله معه حتى ذهب مباشرة لإكمال عمله في خدمة بقية المسافرين. وأضاف أنه ما إن مرت دقائق معدودة على الموقف إلاّ وانقلبت الموازين، وبدلاً من أن يكون الحق معه أصبح ضده، موضحاً أنه شاهد بعض الموظفين يترجونه ليتنازل عن حقه بعد أن علموا أن والده يعمل في إدارة المطار، مشيراً إلى أن الأمر انتهى عند هذا الحد دون محاسبته، متسائلاً عن عدم حرص هذا الشخص على تربية نفسه على طاعة الله ورضاه، وعلى التعامل مع الآخرين بشكل جيد. النظام فوق الجميع وأوضح "م. بدر الخنيفر" أن البعض يعمل بناءً على المحسوبية، كما أن هناك من يعمل بذمة وضمير، مضيفاً أن القاعدة تقتضي أن النظام فوق الجميع، وأن على الجميع عدم اختراقه، موضحاً أن الإدارة التي يسيطر عليها الأقارب هي إدارة تسعى لتحقيق مصالحها فقط دون مراعاة لمصالح الآخرين، مشيراً إلى أن الخوف يكمن عندما تتوثق علاقاتهم الشخصية مع الإدارة العليا المسؤولة في هذه المنشأة أو تلك، سواء كانت في القطاع العام أو الخاص. د.عبد الرحمن الصبيحي خطر كبير وأكد "د.عبد الرحمن الصبيحي" على أن المحسوبية بين الأقارب في العمل الواحد تشكل خطراً كبيراً على المنشأة التي يعملون بها، وذلك عندما يقدمون مصالحهم الخاصة على مصالح الآخرين، أو يقدمون من ليس كفؤاً على من هو أكفأ منه، مستشهداً في ذلك بقصة حدثت لأحد مديري إحدى الجهات الخدمية في هذا الشأن، مشيراً إلى أنه تضرر كثيراً نتيجة وجود بعض أقاربه في العمل الذي يرأسه، الأمر الذي جعله بعد ذلك يتهرَّب من مقابلة من يريد مقابلته من أقاربه؛ خشية أن يكون ذلك بهدف طلب الحصول على وظيفة. وأضاف أن هذا المسؤول أسرَّ له أن لدى جماعته "سِلم" وهو ما يشبه النظام فحواه "إما افزع أو ما فيك خير"، مضيفاً أن ذلك تسبب له بحرج كبير؛ وذلك لأن النظام فوق الجميع ولا يستطيع أحد يخشى الله -عز وجل- أن يخترقه من أجل أقاربه في العمل وخارجه، مبيناً أن هذا المسؤول تأذى من ذلك كثيراً، لدرجة أنه سمع أن هناك من يتحدث عنه بشكل سلبي في مجالس قبيلته، وأنهم يقولون عنه "هذا ما يفزع لربعه"، حتى انه أصبح حديث مجالسهم، الأمر الذي جعله يتجنب الاجتماع بهم، بل إنه فكر أكثر من مرة في ترك عمله منعاً للحرج الذي يجده من أقاربه الذين يعملون في محيط عمله أو أولئك الذين يطلبون منه خدمتهم على حساب الآخرين. رد الجميل وأشار "د.عبدالعزيز الزير" -مستشار أسري، وناشط اجتماعي- إلى أن وجود الأقارب في محيط العمل قد يذكي العصبية القبلية، الأمر الذي قد تتولد عبره معرفة المجالس للوجاهة ورد الجميل، وربما لمصلحة مادية أو اجتماعية معينة، مضيفاً أن هذا الأمر قد يطغى في بعض الأحيان على تصرفات قلة من العاملين في الجهات الحكومية، خاصة من يعملون في الأعمال والإدارات الخدمية، إذ أن هذه الفئة قد تُصنِّف المراجعين وطالبي الخدمات حسب أهوائهم ومصالحهم، كما أنها قد تتباهى وتفخر بتقديم الخدمة التي من المفترض أن تكون لكل مراجع دون تمييز لمن تربطهم بهم صلة قرابة من ناحية الأب، أو من يجمعهم بهم لقب العائلة أو القبيلة أو اللقب العام. وأضاف أن هؤلاء يخدمون بعد ذلك معارفهم وأقاربهم وأصدقاءهم وزملاءهم، إلى جانب وجود من يقبلون الرشوة، بل ويبذلون الغالي والنفيس لمن يعطيهم المال الحرام، مُضحِّين بأوقات ومعاملات ونفسيات أصحاب الحقوق، مشيراً إلى أنهم يخدمون بعد ذلك بقية الناس حسب مزاجهم في الوقت الذي يريدون، مبيناً أن هذه الفئة تربت -للأسف الشديد- على القبلية والمصالح المشتركة ومقولة "أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، لافتاً إلى ان ذلك أدى إلى القصور والإهمال وتأخير إنجاز معاملات أناس لا يتطلب إنهاؤها سوى دقائق معدودة. وقال:"هناك من قد يُعطل مصالح الآخرين، وربما يتلفها ليُقدم من يعرف فقط، والمصيبة الأكبر إذا كان المدير والموظف من نفس العائلة أو القبيلة والمراجع كذلك، حيث يظهر حينها التمايز في المعاملة عيني عينك"، مضيفاً أنه يعرف شخصاً في يوم من الأيام كان يتباهى بنفوذه المؤقت المحدد بسنوات معدودة، مشيراً إلى أنه كان حينها يُغدق على الجهة التي يرأسها بموظفين تم توظيفهم بطرق غير نظامية؛ لكونهم من أبناء قبيلته أو عائلته حتى أصبحت هذه الجهة أشبه بجهة عائلية يتربع على أكثر إدارتها من عيَّنهم هذا المسؤول، لافتاً إلى أن هذه الجهة لا تزال ترزح تحت ضغط بطالة مقنعة ورثها المسؤول الجديد. م.بندر الخنيفر د.عبدالعزيز الزير