تشغله تلك الفكرة التي تراوده كلما هم بدخول مكتبه كل صباح، إنها غير مسبوقة، وإنها تعبير حقيقي عن الإبداع والتميز، لكن ذلك الرجل ذو النظارة السميكة، التقليدي، الذي يبادر بكلمة لا قبل أن يكمل الذي أمامه حديثه والذي يدعى المدير، يقف حجر عثرة أمام أفكار ذلك الموظف الطموح. كلما هم الموظف بفتح فمه محاولاً إقناع ذلك المدير التقليدي بأفكاره المبدعة، كلما تشدق ذلك المدير بكلمة "النظام"، وكلما جادل الموظف في سبيل إقناع ذلك الرجل، كلما حسب المدير عليه ذلك بأنه ثرثار، ومزعج، ويطلب ما لا يتوافق مع سياسة الإدارة ومساق النظام. في ظل هذه الصور النمطية عن الإدارة التقليدية تموت أفكار خلاقة، ويُحبط رجال مبدعون، و تكون اليد الطولى في كل شيء لرجال تقليديين لديهم حساسية عالية تجاه التغيير والتطور. ولا يجد الموظفون الطموحون والمبدعون بُداً من أحد أمرين، إما الاستلام لتقليدية العمل وروتينه، في حالة من الإحباط والاستسلام للبقاء وكسب لقمة العيش، وإما مقارعة القيادات التقليدية والصدام معها كتعبير عن الاحتقان والغضب، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى خروج ذلك الموظف متأبطاً أفكاره الإبداعية مغادراً مقر عمله، باحثاً عن مكان آخر عله يستطيع أن يمارس عطاءه وإبداعاته هناك. ويحذر مختصون من العواقب الوخيمة المترتبة على صد الموظفين الطموحين والمبدعين وتحجيمهم، وتهميشهم وتجاهل تطلعاتهم، مشيرين إلى أن ذلك ينعكس بشكل سلبي على عطائهم الوظيفي، وفي هذا الصدد يؤكد "د. تركي بن محمد العطيان" - أستاذ علم النفس المساعد – أن حكم الكرسي الموغل في البيروقراطية والروتين هو أمر قاتل للموظف الحيوي المبدع، مؤكداً أن الإدارة النفسية تنقسم إلى ثلاثة أقسام، إما أن يكون المدير فيها دكتاتوري، أو فوضوي، وإما ديموقراطي، وأي منها في الغالب لا ينجح بمعزل عن الأخذ بشيء من هذه الأمور الثلاثة، وبين أن الإدارة الديموقراطية، المنفتحة على فريق العمل، هي التي تخلق فرصاً أمام الموظف ليبدع، ويعطي، وينجز. وأشار إلى أن الظروف النفسية التي قد يمر بها الموظف المحبط، والذي تم تحجيمه والحد من إبداعاته بفعل البيروقراطية تدفعه أحياناً إلى التفكير في الاستقالة، والبحث عن مكان آخر يمكنه أن يمارس فيه إبداعاته تلك. وأكد أن ذلك يُعرض الموظف لتشتت وإرهاق نفسي كبير، فليس بالضرورة أنه إذا فقد عمله سيجد عملاً آخر بسهولة، وليس هناك ضمانات ألا يواجه نفس المعضلات في مكان عمله الجديد. وطالب العطيان الموظفين المتذمرين من سطوة البيروقراطية وضيق رؤية الإدارة بأن يتمتعوا بمهارة الاتصال مع أولئك المدراء، وأن لا يغامروا بمستقبلهم الوظيفي من أجل الهروب من ضغوط مدير قد يرحل هو الآخر يوماً ما. وحذر د. العطيان أن أصعب المشكلات التي يواجهها الموظفين المتميزين سرقة أفكارهم وانجازاتهم من قبل مدراء مفلسين وديكتاتوريين وبيروقراطيين.