حياة الأزواج والأحباب تتأرجح بين التصافي والعتاب.. لا شيء يدوم على حال.. لا السعادة مستمرة بلا انقطاع.. ولا الزعل والأحزان.. الأيام تغسل الآلام.. والعتاب يزيل الاشتباه والأوهام.. وسعادة الماضي تخترق فتور الحاضر بنورٍ من بريقها المسحور فتعيد القلوب إلى حياض التصافي والوداد. وكثيراً ما يكون التصافي بعد هجر وعتاب أحلى من الأول وأشهى.. إذا كان الشوق كامناً تحت العتاب كمون النار تحت الرماد.. لا يصدق المحبان أنهما عادا لبعض بود.. وحرارة واشتياق. ومن أجمل ما قيل في (التصافي) للبهاء زهير: من اليوم تعارفنا ونطوي ما جرى منَّا وإنْ كان ولا بُدَّ من العتب فبالحسنى فقد قيل لنا عنكم كما قيل لكم عنّا كفى ما كان من هجر.. فقد ذقتم وقد ذُقنا وما أحسن أن نرجع للوصل.. كما كنا! وهذا شعر رقيق.. أنيق.. وكأن صاحبه يقول لمحبوبه (نحن أولاد اليوم) ويسدل ستاراً على الماضي.. وعلى الأخطاء.. وينسى ما كان.. وما صار.. وما قال.. وما قالوا.. ويبدأ من جديد. وهو يقول للحبيب: (إن كان ولابد من العتب فبالحسنى..) وهذا عين العقل.. ووحي الحب.. بالحسنى تعود الأمور أحسن من الأول! ويريد أن يمحو آثار الماضي الأليم بعض الشيء.. فيذكر أنّ مذاق الهجر كان مُرّاً.. وأن الأجمل العودة إلى الوصل.. هنا يكون الوصل أحلى من العسل: فقد قيل لنا عنكم كما قيل لكم عنّا كفى ما كان من هجر.. فقد ذُقْتُم وقد ذُقنا وما أحسن أن نرجع للوصل كما كنا..! ومن العتاب الرقيق الذي يشف عن شوق إلى الوصول.. وتوق إلى التصافي.. ما كتبه الشاعر صالح جلال بلهجة حجازية حلوة.. ممراح.. فيها تشويق الحبيب للماضي الجميل وعتاب رقيق ممزوج بالذكرى المعطرة. وهي مقطوعة تغنى بها فوزي محسون وعتاب وعبدالمجيد عبدالله: سبحانه وقدروا عليه.. وخلولك تنسى أحبابك.. ولا بتسأل علينا خلاص قفلت بوجهنا بابك ولا عاد زلّه.. أو طلّه.. يحق لكم.. لنا الله..! * * * يا عيني حظنا تعبان.. دا مهما نسوِّي ما بيبان.. ولو تحلف كثير أيمان.. ما راح أصدق الحلفان نسيت واحنّا في (جده).. ونسيت أيامنا الحلوة.. ولا عاد زله.. أو طله.. يحقّ لكم.. لنا الله! * * * سبحانه.. وصرتوا كبار! وصار ينقال لكم أشعار! دا بكره تنجلي الأسرار! صبرك!.. دا الفلك دوّار! نسيتنا واحنا في جده!؟ ونسيت أيامنا الحلوه!؟ والعتاب يتعب العشاق.. وقد يجعل كل واحد منهما يمضي في سبيله غاضباً من الآخر.. ولكن هيهات!.. ألم الفراق أمض من ألم الخطأ. يقول العباس بن الأحنف: العاشقان كلاهما متعتب وكلاهما متذلل ومتغضب صدت مراغمة وصد مراغماً وكلاهما مما يعالج متعب! وكما يتجلى البدر من خلال السحاب يتجلى رضا العشاق من خلال العتاب، فتكون العودة مضمخة باللهفة محملة بالأشواق: فلا عيش كوصل بعد هجر ولا شيء ألذ من العتاب تواقف عاشقان على ارتقاب اراد الوصل من بعد اجتناب فلا هذا يمل عتاب هذا ولا هذا يمل من الجواب!