لا يجد بعض المراجعين في بعض الدوائر الحكومية وسيلة لإنهاء معاملاتهم سوى اللجوء إلى وسيلة الكذب؛ للوصول إلى أقصر الطرق في إنهاء المعاملات، فيحاول أن يكذب ويستخدم أسلوب تزييف الحقائق حتى يستطيع التأثير على الموظف، وبالتالي تسير الأمور في صالحه. ويستخدم عدد ليس بالقليل من أفراد المجتمع أسلوب الكذب؛ من أجل تخليص معاملاته، فالمهم لديه الوصول إلى الهدف، وليس في إشكالية الكذبة، وهنا يبرز أكثر من سؤال: لماذا يُفضل البعض اللجوء إلى الكذب في إنهاء معاملاته؟، هل لأن "بيروقراطية" النظام تحول دون حماية المواطن الذي يجد نفسه مضطراً أحياناً للكذب حتى يصل إلى تخليص معاملته من طريق قد يطول حينما لا يكذب؟، أم أن تعسف الموظف في الحصول على ضوابط واشتراطات تلك المعاملة حتى إن كانت أمور بسيطة هي من تدفع المراجع لأن يكذب؟، أم ساهمت مزاجية الموظف في ذلك، خاصةً حينما يعلم المراجع أنه لن يستطيع أن يؤثر عليه إلاّ حينما يمارس الكذب؟. وعلى الرغم أن الجهات الحكومية تضم قوانين وأنظمة تسير عليها الإدارات في تقديم الخدمة للمُراجعين، إلاّ أن بعض الموظفين باتوا يُغيرون النظام بحسب مزاجهم، حتى أصبح القرار في يد الموظف وليس النظام، وهو رسّخ قناعة لدى المراجعين بأنهم يستطيعون التأثير على الموظفين، وبالتالي من الممكن أن تسير أمور معاملتهم بأسلوب الكذب والخداع، وهنا لابد من تطبيق النظام على الجميع، وهو ما يضمن الحقوق، كذلك لابد أن يبتعد الفرد عن الكذب؛ لأنه وسيلة غير مشروعة، وليس من العدل الوصول إلى الهدف بطريقة مخالفة وعلى حساب الآخرين. أضيق الطُرق وقال "إسماعيل عبدالعزيز": إن الخلل يعود إلى الموظف المختص بتخليص المعاملات، فليس هناك من أفراد المجتمع من يرغب أن ينهي معاملته بالكذب، لكن للأسف أن بعض الموظفين يدفعون المراجع لذلك الأسلوب؛ لأنهم يستخدمون أضيق الطُرق في تسهيل الأمور المتعلقة بالمعاملة، حتى يصل الأمر إلى أن يتسرب شعور لدى المراجع أن الموظف لديه رغبة في تأخير معاملته، فيشعر بأهمية استخدام أسلوب التحايل حتى ينهي تلك المعاملة، ويخلص من تعسف الموظف الذي كان من الممكن أن يبدي قليل من التعاون في تسهيل الأمور، أو أن يكون واضحاً في اشتراطات تخليص تلك المعاملة، مضيفاً أن هناك من الموظفين من يستخدم أسلوب غير دقيق في الأوراق التي يحتاجها لإنهاء معاملة المراجع، فيجد المواطن نفسه يعود إلى تلك الدائرة لأكثر من عشر مرات فقط؛ لأن الموظف يطلب في كل مراجعة ورقة أو مستند، فيشعر المراجع أنه وصل إلى مرحلة السأم، فإما أن يبحث عن واسطة تنهي معاملته دون هذا العناء، أو يستخدم الكذب لإقناع الموظف. عدم تعاون وذكر "إسماعيل" معاملته التي أخذت وقتاً طويلاً في إحدى الوزارات، حيث قدم على طلب متعلق باستحقاقات والدته وشقيقاته، وفي المقابلة الأولى طلب الموظف سندات تتعلق بالسكن وبفواتير سابقة، وحينما وفّر تلك الأوراق وعاد في الموعد الجديد، وجد أن الموظف نسي أن يخبره بضرورة إحضار فاتورة الكهرباء المتعلقة بالسكن، وبعد أن أحضر ذلك السند، وجد أن هناك تأخراً واضحاً في المعاملة، حتى أضطر أن يكذب على الموظف بأنه يسافر خارج المملكة ولن يعود إلاّ بعد أشهر، وطلب منه أن يتعاون معه في إنهاء معاملته حتى تدخل في عداد المعاملات المنتهية وقد نجح في ذلك، موضحاً أن "البيروقراطية" الشديدة وعدم تعاون الموظف، قد تدفع الكثير من المراجعين إلى الكذب لإنهاء وتسهيل إجراءات معاملاتهم، لافتاً إلى أن المواطن يعلم أنه إذا لم يستخدم ذلك الأسلوب، فلن يحرز نجاحاً كبيراً في تخليص أموره. أمر شائع ورأت "هادية جابر" أن الفرد عليه أن يكون أميناً في تخليص معاملته، وأن لا يدع شيئاً يدفعه إلى الكذب لينهي معاملته، خاصةً حينما تتعلق الأمور بإجراءات رسمية؛ لأنه قد يستفيد البعض من الخداع في ذلك الوقت، لكنه ربما يدفع ثمن تلك الكذبة حينما يطلب منه تأكيدها في فترة من الفترات التي لايستطيع أن يثبتها، موضحةً أن استخدام أسلوب الكذب أمر شائع لدى الكثير من أفراد المجتمع، وللأسف تعاملات البعض في الحياة العامة هي في الأساس قائمة على أساس ومبدأ الكذب، مبينةً أن هذا الأسلوب مجدي جداًّ في إنهاء الكثير من التعاملات والمعاملات، والكثير يعلم أنه كلما كذب أكثر كلما كان مقبولاً لدى الآخر، مؤكدةً على أننا لا نستطيع أن نحصل على خدمة في مكان ما حتى نكذب، ولا يمكن أن نُنهي إجراءات معاملة حتى نكذب، ولا يمكن أن نجد قبولاً يمكننا من إنهاء أمورنا في مكان ما حتى نكون كذابين. وأضافت: الكذب هو الأسلوب المقنع لدى الكثير من الناس، فهناك من لا يقبلك حتى تكذب عليه أو تُزيّف له الحقيقة، وتلك هي المشكلة التي جعلت من الكذب ثقافة عامة ليست فقط في إنهاء معاملة في دائرة حكومية، بل حتى على مستوى التعاطي الإنساني والتعامل داخل الأسرة الواحدة، ذاكرةً أن الجميع لابد أن يكذب حتى يصل، وحتى حينما لا ترغب في دخول ذلك الطريق تجد نفسك مضطراً إليه؛ لأن البعض لن يصدقك حتى تكذب. كذبة الآلام وأوضحت "لطيفة محمد" أنها كثيراً ما استخدمت الكذب حتى تستطيع إنهاء معاملتها، مضيفةً أن بعض القائمين على تخليص المعاملات في الدوائر الحكومية يرشدون المراجع إلى استخدام الكذب إذا رغب في سرعة تخليص معاملته، ذاكرةً قصتها مع إحدى المستشفيات الحكومية الكبيرة في المنطقة، التي رغبت أن تدخل للعلاج فيها لإجراء أشعة على المعدة، حيث كانت تعاني من آلام شديدة على فترات متباعدة، وحينما قررت أن تراجع المستشفى لتكشف عن أسباب تلك الآلام، طلب منها موظف الاستقبال ورقة تحويل من المركز الصحي، وحينما عادت بها، أخبرها أن موعدها سيكون بعد ثلاثة أشهر، فطلبت تقريب الموعد نظراً لأنها تعاني من آلام لا تستطيع معها أن تتناول الطعام، فطلب منها الموظف أن تدعي شعورها بآلام شديدة وأن تصرخ وتبكي وتحاول أن تمثل الأعياء الشديد وتدخل الطوارئ بسبب ذلك وسيتم تحويلها فوراً للطبيب المختص، وقد فعلت بنصيحته ووجدت نفسها في اليوم التالي في غرفة الطبيب المختص، مشيرةً إلى أن هناك الكثير من الموظفين يعلمون أن أقصر الطرق لإنهاء معاملة هو الكذب فيشفق على المراجع وينصحه باستخدامه!. قناعة راسخة وتحدث "د. عيد شريدة العنزي" -أستاذ مساعد بكلية الخدمة الاجتماعية ووكيل كلية إدارة الأعمال للشؤون الأكاديمية والتعليمية بحوطة بني تميم- قائلاً: إن هناك بعض المراجعين من يستخدم الكذب لتيسير أمور معاملته، وذلك يكشف وجود مشكلة حقيقية لدينا حتى على مستوى الأسرة، فدائماً كلمة "لا" لدينا وكلمة "نعم" بينهما مسار، فمن الممكن للموظف أن يقول للمراجع "لا"، لكن حينما يُقنعه المراجع فإن "لا" تتحول إلى "نعم"، مضيفاً أن الأفراد من الموظفين يغيرون النظام بحسب مزاجهم، حتى أصبح عدم الثقة بالناس موجود، فالمراجع يكذب على الموظف الذي يقتنع ويصدق ذلك الكذب، فيكسر النظام ويتجاوز دون وجود الرقيب عليه، مبيناً أنه أصبح القرار في يد الموظف وليس في النظام، فالمراجعين أصبحت لديهم قناعهم أنهم يستطيعوا أن يؤثروا على الأفراد، وبالتالي تمشي أمور معاملته بذلك الأسلوب، أو عن طريق الواسطة، متأسفاً على أنه لا يُطبق النظام على الجميع، فحينما يعلم الفرد أن لديه موظف يعرفه في دائرة حكومية فأنه يحاول أن يستفيد من وجوده في تيسير معاملته، لكن حينما لا يستطيع ذلك، فإنه يلجأ إلى الكذب لتسهيل أمور معاملته، إذ لا يوجد من يحاسبه، مشيراً إلى أن ذلك الأسلوب مستخدم حتى على مستوى الأسرة، فالطفل يرتكب أخطاء ويعاقبه الأب، فيحاول الطفل إقناع الأب بالكذب والتحايل فيُغير الأب رأيه!. تطبيق النظام يضمن حقوق الجميع ويمنع الموظف من الاستجابة ل«حيل المراجع» ثقافة سائدة وأوضح "د. العنزي" أن المشكلة موجودة في المراجعين وفي أفراد المجتمع، وتلك لا نُعاني منها على مستوى المؤسسات الحكومية فحسب، وإنما على مستوى الحياة بشكل عام، فجميع تعاملاتنا تُبنى على الزيف والكذب، وحينما يذهب الرجل إلى "الورشة" لتصليح سيارته ويجد أن العامل من الجنسية الآسيوية -على سبيل المثال- فإنه يمتدح الأفراد من جنسيته لإقناعه والتملق إليه، والعامل في قرارة نفسه يعلم أن ذلك كذب، لكنه يدرك أنه يرغب في أن يكسبه عاطفياً، فإذا ما "غشّه" لن يجد من يحاسبه، فتلك ثقافة سائدة في المجتمع، مبيناً أن الإشكالية ليست في "بيروقراطية" النظام، إنما "بيروقراطية" الأفراد، فالنظام لا يتقيد به الموظفين، وحينما نقول أن النظام صارم فإننا نقصد بذلك الموظف، مؤكداً على أن هناك من الموظفين من يتشدد في تطبيق النظام بينما نجد آخرين يتساهلون بذريعة أن النظام يوجد به سعة وثغرات، مُشدداً على ضرورة أن يبتعد الفرد عن الكذب لإنهاء معاملاته الحكومية؛ لأن الكذب وسيلة غير مشروعة، ولا يمكن الوصول للهدف المنشود من منطلق الكذب، فليس من العدل الوصول للهدف بطريقة مخالفة. تُعاني بعض الدوائر الحكومية من بيروقراطية في إنهاء الإجراءات الموظف الناجح هو من يُطبّق النظام لضمان سير العمل بشكل صحيح د. عيد العنزي