ظل موضوع خصوصية المجتمع السعودي محل جدل في الأوساط الثقافية والأدبية والإعلامية، وأنا هنا لست مع أو ضد ولكني من واقع تجربة أؤكد أنّ المتقاعد السعودي له خصوصية فريدة من نوعها، خصوصية من نوع آخر، خصوصية منزوعة الدسم، عفوًا قصدي منزوعة الوفاء، فمتقاعدنا ليس كالمتقاعد في الغرب ينتهي به المطاف إلى زوج وزوجة مؤمّن عليهما صحياً ومعيشياً، متقاعدونا وبالذات العسكريون يتقاعدون في سن مبكرة في أواسط الأربعينات وهم في سن الإنجاب وأطفالهم لازالوا في المراحل المبكرة من التعليم، واحتياجاتهم في تزايد وتنامٍ مستمر، وربما بعضهم يتزوج بعد التقاعد، وفي الغالب لم يتمكنوا من توفير مسكن لأسرهم، فضلاً على أن معاشاتهم أُقتص منها الثلثان تقريباً. فبالله عليكم كيف لهم توفير متطلبات الحياة الاساسية لأسرهم. وبفضل ثقافتنا الإسلامية وعاداتنا العربية الأصيلة التي أقرها الإسلام، للأب وللجد وذي الشيبة توقير واحترام، فيلتم حوله أفراد أسرته (أبناؤه وبناته وأحفاده وأرحامه) أسبوعيا، وفي المناسبات والأعياد وشهر رمضان، مما يسبب له الكثير من الحرج بحكم أن إمكانياته لم تعد كما كانت، فكان يعطي وينفق ويساعد ويؤدي واجباته الاجتماعية والاسرية والآن عومل بنظام تقاعد غربي مستورد يراعي الفرد كما في الغرب ولا يراعي الجماعة والمجتمع والأسرة، فدولتنا دولة الخير بقيادة خادم الحرمين الشريفين (أيده الله) الحاكم العادل رجل الإصلاح الذي أكد للوزراء (ليس لديكم عذر بعد الآن) فالمتقاعد يحتاج من الدولة (رعاها الله) دولة العز والعطاء والنماء التي امتد خيرها وعم مشارق الأرض ومغاربها دولة رسالة الأمن والسلام والسلم، الدولة التي قدم لها المتقاعد زهرة شبابه وروى أرضها بعرقه ووهبها طاقته وفتوته وعقله وفكره، عندما كانت في حاجته لم يبخل ولم يتأخر ولم يتوانَ عن واحب ولم يتقاعس بل بادر فكان سباقا في كل الميادين، فحرَسَ وحمى وزرع وبنى وعلم، فبعد هذه المسيرة المفعمة بالعطاء المليئة بالبذل والتضحية من اجل الوطن، فحريّا بالدولة أن تعزز من قيمة المتقاعد ومكانته في مجتمعه وترفع من شأنه وأن تهيئ له سبل الراحة وتوفر له أساسيات استمرار دورة الحياة الكريمة بيسر وسهولة، فالمتقاعد مؤثر في محيط أسرته وقبيلته، ويتأثر ممن حوله بما يتعرض له سلباً أو إيجاباً، فلا يجب أن يكون المتقاعد ناقما، أو يشعر بالحسرة على ما فات، فيجب أن نحافظ على استمرار المتقاعد في توريث الولاء والطاعة لولاة الأمر وحب الوطن، الوطن الذي بذل في سبيل نهضته ونمائه وتقدمه وتطوره، فيجب أن نحافظ على المتقاعد فخوراً بما قدمه واسهم فيه في بناء مسيرة التنمية المباركة فحريّاً بنا تكريمه ورفع معنوياته والوفاء له عند حاجته للمجتمع حريّا بنا رد الجميل على صنيع معروفه. المتقاعد عندما يسافر للخارج يحصل على مميزات المتقاعد هناك، وفي بلده الذي يدين بالإسلام ويحث على احترام وتوقير وتقدير ذي الشبية يقابل بالنكران والتجاهل. المتقاعد في بلده لا يتوفر له تأمين صحي، وحتى لو رغب هو شخصيا أن يؤمن فإن شركات التأمين لا تتفاعل معه بحجة عدم التأمين على الأفراد فرادى فضلا على زيادة المخاطر، المتقاعد لا يستطيع التأمين على المركبات، المتقاعد لا يستطيع تأجير سيارة ويضطر إلى الاحتيال فيؤجر السيارة باسم السائق الأجنبي. المتقاعد ينتهي به المطاف على أبواب برامج معالجة الفقر (الضمان الاجتماعي) هل يعقل هذا. ليس هكذا يعُامل الآباء والأجداد. ليس هكذا يُعامل من علمونا وقدموا لنا الكثير. كيف له أن يشعر بالفخر والاعتزاز وهو يعامل بهذه الطريقة. عفى الله عنك يا ابن الخطاب، أحرجتنا، رفعت سقف المسؤولية، يقلقك عثور بغلة في أرض العراق، آه، كم عثر متقاعد، ووزراؤنا مرتاحو البال، وكأن الأمر لا يعنيهم. ألا نستحي من المتقاعد؟ ادركوا المتقاعدين، المتقاعد رجل دولة، المتقاعد صاحب فضل، المتقاعد ثروة لا تقدر بثمن، المتقاعد كنز لا يفنى. أخواني المتقاعدين، وإن جار عليكم الزمان تبقون أنتم الحكماء، أنتم الخبراء، أنتم الرواد، أنتم نجوم تضيء سماءنا وتهدينا إلى طريق العطاء والبذل والى طريق النجاح، تجاربكم وخبراتكم وتضحياتكم وعطاءاتكم محل تقديرنا واحترامنا، نبراسًا يضيء طريقنا، ستشرق الشمس حتماً يوما ما. عزاءنا أن الرئيس الفخري صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز يحمل فكرًا حديثًا ومتطورًا لصالح المتقاعدين نسأل الله له التوفيق والسداد، ونسأل المولى عز وجل أن يحقق على يديه تطلعات خادم الحرمين الشريفين وولى عهده الأمين وأبنائه واخوانه المتقاعدين، نسأل الله لهذا البلد الطيب الطاهر المبارك ولولاة أمره ومواطنيه التوفيق والسداد، والله الموفق. * أمين مجلس الإدارة للجمعية الوطنية للمتقاعدين