أعجب مفاجأة قدمتها لي الرياض في عودتي هذه المرة الانسيابية في طريق الملك فهد. في كل مرة أرسم خطة للتحرك في الرياض أحاول أن أتجنب هذا الطريق. استبدله بطريق الأمير تركي مع كثرة إشاراته. انقلب الأمر هذه المرة. صار طريق الملك فهد خياري الأول. تفاءلت خيرا. ثمة شيء ما حدث. طوح بي الخيال أن الرياض بدأت تشغيل خطوط النقل العام. غبت عن البلد شهرين تقريباً. حسب مقاييسنا في إنجاز المشاريع العامة فهذه المدة لا تكفي لإخراج باص واحد من كراتينه. لنا في مشروع طريق الملك عبدالله عبرة ودليل. يعد من المشاريع الخالدة. ميزة المسؤولين عنه أن سكتوا عن مديحه أو الإشارة إلى أي نهاية له. على قاعدة (لا تشغلوا أنفسكم متى ما خلص بلغناكم). صباح يوم الأربعاء الماضي انقلب الأمر رأساً على عقب. من السرور إلى أقصى درجات التعاسة. أصبت بالرعب، لم أتخيل أن تصل الأمور في مرور الرياض إلى هذا المستوى من التدهور. أي إدارة في العالم يصيبها الترهل والإهمال وتضعف لسوء الإدارة أو لضعف الميزانية أو لنقص العاملين أو لقلة الخبرة وهناك أسباب أخرى لا حصرها.لكن ما شاهدته في مرور شمال الرياض قضية مخيفة. أخذت ابني ليستخرج رخصة من مرور الشمال. لم أفاجأ بالفوضى المرورية أمام المبنى. هذا طبع معظم مكاتب المرور في الرياض. كل سائق يصف سيارته على كيفه. ديمقراطية عز نظيرها. المكان الوحيد الذي تأمن فيه من رجال المرور أو كاميرات ساهر. تقف على الرصيف، تقف في وسط الشارع، تمشي عكس السير. اعتبر نفسك في بيتك. معظم أصحاب هذه السيارات جاءوا بدون رخصة. قادوا سياراتهم إلى مكتب استخراج الرخص قبل أن يرخص لهم بالسياقة. بعد أن انتهى ابني من إجراءات التقديم وخرجنا للشارع. قلت لابني: كل هؤلاء سيقودون سياراتهم بعد قليل بدون رخصة أمام سمع المرور وبصره. لو كنت أعلم أن الإجراءات هكذا لما تكلفت أن نهضت من فراشي في عز الظهيرة. كان عليّ أن أتركك تقود السيارة بنفسك. المفاجأة الحقيقة ليست هنا. المفاجأة في الداخل. أول وأهم إجراء في الرخصة هو فحص النظر. لا يمكن أن يسمح مرور أي مرور حتى في مقديشو بتجاوز فحص النظر ولكن هذا يحصل في مرور شمال الرياض. طابور طوله أربعون شخصاً يقفون أمام لوحة كتب عليها فحص النظر. يجلس تحتها موظف (بلباس مدني) وإلى جانبه جهاز فحص نظر من الواضح أنه لم يستخدم منذ زمن بعيد، راقبت الرجل حوالي عشرين دقيقة. لم يفحص أحدا على الإطلاق. وظيفته أمين الختم، يقدم لكل مراجع ختمين واحد في رأس الطلب والآخر أسفله. ما قدرت أمسك نفسي، نهضت من مكاني وسألته: وين فحص النظر؟ فقال دون أن يرفع رأسه: أشوف أوراقك، مد ابني أوراقه فختم الرجل ختمين أعلن بهما نجاحه في فحص النظر، لكي أتأكد سألت، خلصنا من فحص النظر؟ فقال خلاص. أحصيت بشكل سريع ما يقارب أربع مئة رجل كلهم سيحصلون في ذلك اليوم على رخص دون فحص نظر.