يصعب الوصول إلى اتفاق أوروبي إيراني، يقضي بوقف النشاط النووي الإيراني، لأن الفريق الأوروبي المشكل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا يريد أن يفرض على ايران مسارا نووياً يتعارض مع مصالحها الحيوية العليا في اقليم الشرق الأوسط، التي تفرض عليها حتمية المواجهة النووية مع إسرائيل، ليحقق من خلالها التوازن الاقليمي بالشلل النووي، الذي يمنع احساس تل أبيب بالتفوق النووي، ويقضي على «برطعتها» العسكرية في فلسطين، ويحجِّم أدوارها في اقليم الشرق الأوسط. يزيد من أهمية وفعالية الدور الإيراني في مفاوضاته مع أوروبا حول سلاحها النووي، ان الدول في الغرب غير قادرة اليوم على المواجهة العسكرية مع ايران، ويتعذر عليها ايضا فرض الحصار الاقتصادي عليها، بعد فشل تجربتهما في أرض العراق. هذا الخوف من خوض تجربة المواجهة العسكرية أو المقاطعة الاقتصادية مع إيران، دفع العديد من أهل الفكر الأوروبي الى القول بأن امتلاك طهران للسلاح النووي يحتاج إلى عشر سنوات طويلة مما يجعل السلاح النووي في يد إيران من «علم الغيب»، وهدف أصحاب هذا الفكر، وقف المغالاة في اتخاذ قرار الحرب العسكرية أو قرار الحرب الاقتصادية ضد إيران. يزداد فهم فريق التفاوض الأوروبي مع ايران، للفكر المتصاعد من لندن وباريس وبرلين، من أصحاب الفكر بها، ومن النواب في برلماناتها وكلها تطالب بوضوح حتمية التعامل العقلاني المستند إلى المنطق مع طهران، لما لها من تأثير واضح على شيعة العراق الذين يشكلون من وجهة نظر الغرب احدى سبل الحل للقضية العراقي من خلال فرض الحكم الفدرالي بين الشيعة في الجنوب، وبين السنة في الوسط، وبين غيرهما من فرق دينية وعرقية، ولا يمكن أن يتحقق هذا النظام الفدرالي في العراق، بدون الشيعة التي تشكل الأغلبية به، ولا يمكن أن تقبل الشيعة في العراق القيام بدورها الفدرالي، لو أغضب الغرب إيران. هذه الحقيقة جعلت قضية السلاح النووي الإيراني تشكل صداعاً مزمناً للغرب، بعد أن أصبح معضلة دولية غير قابلة للحل خصوصاً في ظل القناعة الغربية التي تؤكد بأن إيران من الدول التي لا يمكن الثقة بها أو تصديق ما تعلنه من النوايا، إذا انسقنا وراء حسن النوايا التي ينكرها الغرب على ايران ليحرمها من امتلاك السلاح النووي، لوجدنا أن إسرائيل تفتقد تماماً الى حسن النوايا في مسلكيها الاقليمي والدولي، ومع ذلك يباح لها امتلاك السلاح النووي وهذا يبطل بصورة قاطعة الاستناد الى حسن النوايا لامتلاك السلاح النووي، أو الارتكاز على سوء النوايا للحرمان من امتلاك السلاح النووي. تقوم الأزمة النووية الإيرانية باختلاف طهران مع الفريق الأوروبي المفاوض الذي يرفض الالتزام بالنص في معاهدة عدم الانتشار النووي، التي تقرر بنودها، على حق الدول الموقعة عليها في ممارسة النشاط النووي للأغراض السلمية، مما يجعل الموقف الإيراني المطالب بمواصلة نشاطه النووي في الأغراض السلمية صحيحاً من الناحية القانونية، ويحصل الموقف الأوروبي المطالب بوقف النشاط النووي الإيراني في المجال السلمي، خارجاً على احكام معاهدة عدم الانتشار النووي بحرمان ايران من حقها المنصوص عليه في المعاهدة التي وقعت عليها، أيَّد هذه الحقيقة القانونية محمد البرادعي رئيس وكالة الطاقة النووية في فيينا، بإعلانه حق ايران في مواصلة نشاطها النووي السلمي بموجب أحكام معاهدة عدم الانتشار النووي التي وقعت عليها طهران، غير أن أوروبا أجبرت محمد البرادعي على أن «يبوس القدم، ويبدي الندم، على غلطته في حق الغنم»، حتى لا يطرد من موقعه الوظيفي الدولي المرموق، ومعنى ذلك أن أوروبا تريد تبديل الصياغة القانونية لمعاهدة عدم الانتشار النووي، بعيداً عن ما حددته في متنها من أحكام توضح السبل الاجرائية والموضوعية التي يتم تحت مظلتها التعديل في أحكامها. هدد الفريق الأوروبي الثلاثي المفاوض لإيران حول سلاحها النووي بإحالة هذه القضية الى مجلس الأمن إذا تعذر الوصول الى اتفاق مع ايران في قضية سلاحها النووي، وأعلنت طهران رفضها المسبق لنظر قضية سلاحها النووي في مجلس الأمن وأكدت بأن التزامها مرتبط بمعاهدة عدم الانتشار النووي الذي وقعت عليه، وقبل أن نواصل الحديث عن أزمة السلاح النووي الإيراني، نؤكد على أننا أمام ظاهرة جديدة وغريبة في العلاقات الدولية تمثلها عدم الثقة في مجلس الأمن، الذي جاء قيامه تحت مظلة الأممالمتحدة بهدف حفظ السلام العالمي، والتهديد به، ورفض أحكامه المسبق يقلب موازين العدالة الدولية وهذا يجعل المطالبة بإصلاح الأممالمتحدة بإعطاء مقاعد دائمة لدول جديدة في مجلس الأمن لا يزيد على اصلاح اجرائي يوازن بين كبار الماضي المنتصرين في الحرب العالمية الثانية وبين كبار الحاضر المنتصرين اقتصادياً ألمانيا واليابان، ويزيد التوازن بينهما من معاناة العالم من جبروت مجلس الأمن الذي عطل بالاعتراض «الفيتو» كثيراً من القرارات الدولية الهامة، وحوَّل الجمعية العامة إلى منبر خطابة، تلامس العدل بالقول، وتعجز عن تحقيقه بالفعل، وأصبحت الأممالمتحدة بمجلس أمنها الديكتاتور، وجمعيتها فاقدة الأهلية، مهزلة سياسية فوق المسرح الدولي، لا تثق فيها الدول المسيطرة عليها «بالفيتو» كبريطانيا وفرنسا اللتين تتفاوضان مع إيران في شأنها النووي، ولا تأمن جانبها الدول الأعضاء بها وقد وضح ذلك من موقف إيران الرافض الاحتكام إلى مجلس الأمن. جاء الخروج من ضائقة الأممالمتحدة في الحكم على السلاح النووي الإيراني بالمبادرة التي قدمها الرئيس احمدي نجاد لتكون ركيزة التفاوض الأوروبي معها، وتعبر هذه المبادرة الإيرانية عن اصرار طهران على تمسكها بحقها القانوني في أن يكون لها برنامجها النووي في المجال السلمي، خصوصاً وان مساومة الثلاثي الأوروبي لإيران بالتخلي عن نشاطها النووي مقابل دعم اقتصادي وتوسع تجاري وتعاون سياسي، يقل كثيراً عن ما تحققه طهران من نشاطها النووي، ويقول أهل الفكر من الايرانيين ان تجربة الوعود الكاذبة التي مارستها الدول الأوروبية في كل اتجاهات علاقاتها الدولية، يفقد إيران الثقة في الغرب، حتى إذا جاءت وعوده تحمل في مردودها الاقتصادي و التجاري والسياسي ما يفوق في حجمه وثقله ما تحققه ايران من الاستمرار في نشاطها النووي، وانعدام الثقة الإيرانية في الغرب المتفاوض معها يجعلها أمام اختيار واحد هو الاستمرار في نشاطها النووي ويقف الى جانب إيران كل الدول الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي، لأن هذه الدول تدرك تماماً بأن ما يتم تطبيقه على ايران اليوم، يعمل على تطبيقه عليها غداً، حتى يتم احتكار دول محدودة لانتاج السلع النووية السلمية من خلال تخصيب اليورانيوم، ويتم تسويقها وفقا للهوى السياسي للدول المحتكرة انتاجه فتبيح بيعه على الدول التي تتمتع برضاها وتمنع بيعه على الدول المعانية من وقوع السخط عليها، بكل ما في ذلك من اجحاف لا تتردد الدول الغربية في تطبيقها، لتفرض ارادتها على غيرها من الدول. يزيد من حجم المشكلة النووية في إيران، أن الغرب واثق من وصول إيران خلال الأشهر القليلة القادمة الى انتاج السلاح النووي، وان بعضاً من أهل الغرب يؤكدون بأن ايران قد وصلت بالفعل إلى انتاج السلاح النووي، وسواء وصلت طهران او ستصل الى انتاج السلاح النووي، فإن المفاوضات التي تجريها مع الثلاثي الأوروبي تستهدف بها كسب مزيد من الوقت قبل أن ترفع عن وجهها القناع الذي يستر قدرتها النووية الفعلية التي بدأت أولى خطواتها بسرية تامة في عام 1984م، وكشف سترها بالوثائق في عام 2002م احد المارقين على نظام الملالي في طهران، وأكد بأن ايران تمتلك السلاح النووي الذي يرتعد منه الغرب، الذي يزداد خوفا ورعبا، بعدم نكران طهران امتلاكها السلاح النووي، ومواصلتها التفاوض مع الثالوث الأوروبي بريطانيا وفرنسا وألمانيا لوقف نشاطها النووي في المجال السلمي الذي ترفض الالتزام به، وتقترب بهذا الرفض من الاعتراف بامتلاكها السلاح النووي، وهذا يقلق الغرب، لما فيه من تحدٍ سافر ضد تسلطه النووي على الآخرين من الدول.