غادر جون كيري وزير الخارجية الأميركي الرياض مبتسماً، بعد أن بات ليلة يفكر فيها كيف يقنع السعوديين بما كلفه رئيسه في واشنطن، كانت الرسالة الأولى التي حملها الوزير المخضرم إلى المملكة "أننا مازلنا على عهد "كوينسي" حاملة الطائرات التي شهدت اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت في أربعينيات القرن الماضي". جاءت زيارة المسؤول الأميركي نتيجة ملموسة لما آلت إليه الأحداث في المنطقة تباعاً وأثرت في علاقة البلدين، وتبلورت في شكل فعل سياسي أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، وكان الهدف غير المعلن للزيارة هو شرح وجهة نظر إدارة الرئيس أوباما في تعاطيها مع قضايا المنطقة، لاسيما الموضوع السوري. الخلاف التكتيكي مستمر وعلى رغم دعم المملكة للجامعة العربية، وحثها الائتلاف السوري على الذهاب إلى (جنيف2)، وأن هذا المؤتمر لا يمكن أن يعقد في غياب الائتلاف، إلا أن القناعة السعودية لم تتزحزح قيد أنملة بعد لقاء الرياض، بأن التعامل بحزم مع النظام السوري والتدخل هو الحل لوقف سفك الدماء. ولعل الأمير سعود الفيصل كان مباشراً خلال كلمته أمام الصحافيين في مطار قاعدة الرياض الجوية، عندما أكد "أن الخيارات المعنوية بين الحرب والسلم واضحة وضوح الشمس، وبما لا يدع مجالاً للاجتهاد بين وقفة حزم لحقن الدماء في كارثة إنسانية أو التغاضي عنها". إلا أن الوزير كيري عاد لتأكيد موقف الإدارة الأميركية بأن الأزمة السورية لن تنتهي بالحل العسكري، وهذا يعني أن الخلاف التكتيكي لا يزال مستمراً بين واشنطنوالرياض. والواقع أن المملكة بتمسكها بمواقفها بأن الحل يتأتى بالتعامل بحزم مع النظام السوري، ودعمها في ذات الوقت (جنيف2)، هو رغبتها في ألاّ تكون حجر عثرة في وجه حل سياسي يأتي بالسلام وتجمع عليه القوى الدولية، إلا أنها مؤمنة بأن نظام الأسد لم يكن مقتنعاً في يوم من الأيام بالحل السلمي، وإلا لكان ذهب إليه في بدايات الأزمة، وليس بعد سقوط 150 ألف قتيل وتشرد مليوني سوري في دروب اللجوء وثلاث سنين عجاف، وأن لا ضمانات من جهة النظام السوري لتنفيذ (جنيف 2) وأن القياس بتسليم السلطة بسهولة كما تم الأمر بالنسبة للترسانة الكيماوية السورية هو قياس خاطىء. الملف الايراني والأزمة السورية.. تلازم مسارين إن التطمينات التي ساقها الوزير جون كيري للمسؤولين في المملكة تجاه إيران، يمكن أن تكون تمت في إطار إطلاع المسؤولين السعوديين على تفاصيل العرض الإيراني المقدم لدول مجموعة "5+1"، ويسند ذلك التحليل استبعاده ما يفاجىء حلفاء واشنطن في الخليج من أي صفقة للنووي الإيراني، مع دعوة كيري دول "التعاون" للترحيب بالاتفاق المرتقب. الوزير الأميركي قال في إجابته للصحافيين قبل مغادرته الرياض: إن بلاده ستطلع أصدقاءها بشكل متواصل على مجريات الأمور لكي لا تكون هناك مفاجآت، إلا أن سعود الفيصل قدم طرحاً مختلفاً تجاه العملية التفاوضية بشأن البرنامج النووي الايراني بإدخال الملف السوري كجزء من تلك التسوية على أساس اختبار نوايا طهران، وتقصد المملكة من هذا الطرح أن النوايا إن كانت سلمية تجاه أمن واستقرار المنطقة، فإنه يفترض أن تأتي في بوتقة واحدة وغير مجزأة، بمعنى أن طهران إن كانت إيجابية تجاه المنطقة، فإن ذلك لا يتم فقط عن طريق إعلان سلمية برنامجها النووي بل أيضاً بتجردها من الأزمة السورية. دعم مسار التحول في مصر يمكن أن تكون الزيارة التي قام بها وزير الخارجية جون كيري إلى الرياض، قد أسهمت في تخفيف حالة الاحتقان التي تمر بها العلاقات بين البلدين، لذا فإن واشنطن التي تدرك جيداً حالة الحنق السعودي من سياستها تجاه ملفات المنطقة بدءاً من سورية وإيران والموقف من التحول في مصر، وبما أن إدارة الرئيس أوباما تدرك مدى حساسية المملكة تجاه ما يحدث في مصر، ودعم الرياض للتحول الديموقراطي هناك، فقد قصدت أن تمهد لزيارة كيري للمنطقة عن طريق القاهرة، ليعلن من هناك تأييد الإدارة الأمريكية لخارطة الطريق المصرية ودعم عملية الانتقال ويؤكد في الرياض أن مصر "على طريق الديموقراطية".