لكل إنسان منّا أجل، لا يعلم أين ينتهي، فبعضهم تتوفاه المنية في حادث مروري، أو في موقع العمل، أو بين أسرته، لتبقى أغراضه الشخصية في متناول الجميع، وعلى اعتبار أن الهاتف الجوّال أقرب غرض شخصي للمتوفى، فليس من حق أحد تفتيشه لأجل معرفة ما كان يخبئ فيه، سواء من معلومات أو صور أو رسائل، فهو يُعد -بعد وفاة صاحبه- من حرمة الميت التي لا يحق العبث بها. وما نشاهده اليوم أن أول ما يعبث فيه بعد وفاة الشخص هو هاتفه الجوّال، ففي الحوادث قد يُنهب، وفي محيط الأسرة قد يُفتش من قبل الأهل، والبعض قد يذهب به إلى خبير إلكترونيات لفك الرمز والتقليب في محتويات الجهاز، متناسين احترام الخصوصية، وحرمة المفقود. ويُمثل "جوال الميت" منطقة حسّاسة في حياة البعض منّا، فكل إنسان له حق أن يكون له أسرار خاصة، وأن يحمي تلك الأسرار والخصوصيات، لكن تختلف النيّات والمقاصد من وراء الاحتفاظ بالرقم أو الجهاز الخاصين بالمتوفي. ويبقى من المهم أن يُحتفظ بهاتف جوال الميت للحاجة فقط، كرسائل بعض البنوك، أو بعض الضروريات كدين عليه أو له مبالغ لدى أشخاص آخرين، كذلك من المهم أن يكون المسؤول عن الهاتف زوجته أو وكيل الورثة حتى تنتهي الحاجة منه نهائياً، وفيما يتعلق بالجهاز فالأفضل مسح المقاطع والرسائل السلبية، أما الأشياء الخاصة ك"الايميل" فيلغى من الخدمة أولاً، ثم يحذف من الجهاز. محمد الجريان رقيب ذاتي وقال "عبدالهادي القحطاني": وقفت على أكثر من واقعة سواء حوادث أو وفاة أحد الأقارب، مضيفاً أنه مع احترام الميت وأغراضه وعدم العبث فيها، وحتى نكون منصفين يجب أن يضع كل شخص نفسه مكان الميت، وهل يسمح بتفتيش أغراضه؟، هل كان سيرضى بأن يفعل أحد هذا العمل في حقه؟، طبعاً الإجابة لا، مُشدداً على أهمية أن يجعل الفرد نفسه الرقيب، حتى لا تنتهك حرمات الناس فقط لأنهم فارقوا الحياة. وأوضح "مسفر الوادعي" أنه مع استخدام جوّال الميت في تبليغ كل الأرقام المخزنة بوفاة صاحب الرقم، ثم إعطاء الرقم لأحد أبنائه أو أقاربه إذا كانت لهم مطالبات، أو يلغى الرقم و"يُفرمت" الهاتف بما حوى من خير وشر، مضيفاً أن الموقف قد يكون صعباً على أهل الميت فيجمعون أغراضه لما بعد العزاء وبعدها يفتشون بأغراضه بحسن نية، لكنهم قد يصدمون ببعض الأمور التي قد تسيء لهم أو لميتهم، لذلك الأفضل التخلص من أغراض الميت، خاصةً الجوال بعد الدفن مباشرة. تفتيش جهاز المتوفى لا يحترم خصوصيته تصرف حكيم وأكد "رائد الخالد" على أن الاهتمام بأغراض الميت ومنها "الجوال" أمر في غاية الأهمية، ويجب أن يتولى هذا الموضوع رجل وليس امرأة، بحكم أن علاقة النساء مع أغراض الميت حميمة، وقد يقودها الفضول إلى بحث في الخصوصيات، بحيث ينقلب الترحم عليه إلى السب والشتم وكذلك إيذائه، وفي أحيان أخرى قد تجدد عليهم الحزن كلما رأوا صوره ورسائله، أو مقاطع فيديو له، ناصحاً أن يكون التصرف حكيماً بإخفاء الجوال ومن ثم بيعه أو التصرف به بعيداً عن التفتيش بمحتوياته، إضافةً إلى الاحتفاظ بالرقم لاستعادة الأرقام السرية لمواقع البنوك و"الإيميلات"، وكذلك الكفالات أو حتى التحويلات والحقوق. خالد الشمري غض البصر وقال "خالد بن صالح الشمري" -متخصص في العقيدة والمذاهب الفكرية المعاصرة-: قال تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا"، مضيفاً أن تكريم الله للإنسان يتناول حفظ خصوصيته، إذ حث على حفظ سره، فلا يجوز لأحد أن يفشي سر أحد، أو أن يسعى لفضحه والتشهير به، وأمر الناس بغض أبصارهم عن محارم الناس حفظاً للفضيلة وخصوصية الناس، مبيناً أن خصوصية الإنسان التي نتحدث عنها مكفولة له حتى بعد الممات، إذ جاء الحث على كتم سره، وإنفاذ وصيته، مشيراً إلى أنه يعمد كثير من الناس على إخفاء صدقته ابتغاء لعظيم الأجر من الله، فيوجد من الناس من يرعى أرملة أو يتيماً أو ينفق في سبل متنوعة من سبل الخير لا يعلم به أقرب الأقربين، ولا يحبذ هو أن يطلع على سره وخصوصيته في ذلك إلاّ الله سبحانه، كذلك يعمد البعض إلى إخفاء مكاتباته ومراسلاته التي تحوي نصحاً وتوجيهاً للناس، ولا يرغب أن يطلع على الأسرار التي يعرفها عن الناس أحد. الأفضل الاحتفاظ بالشريحة إذا كانت تضم أرقاماً مهمة أهم خصوصية وأوضح "الشمري" أن البعض يُخفي أموراً تحوي أخطاءً قد تجلب عاراً أو مذمة أمام الخلق إن أطلعوا عليها، وهو ما يجعلهم يخفون خصوصيتهم إمّا في جهاز حاسوب محمول، أو جهاز جوال، أو ذاكرة وما إلى ذلك مما تحفظ فيه المستندات والمواد المرئية أو المسموعة، وهذا يعني أن تلك من أهم الخصوصيات لدى الإنسان التي لا يرغب أن يطلع عليها أحد في حياته وبعد موته بكل تأكيد، مضيفاً أنه قد يرد على البعض سؤال هام، ألا وهو إن كان للميت سر من الأسرار في شيء يملكه إلى الورثة بعد موت صاحبه، فما العمل في هذه الحال؟، هل يُستغنى عن الإرث لحفظ الخصوصية؟، أم هل تنتهك خصوصية ذلك الإنسان وتكشف أسراره أمام الناس؟، والقول في ذلك أن الميت إن خلف إرثاً فيه أمور خاصة به فإنه والحال هذه يختار الورثة من بينهم شخصاً واحداً أميناً كي يطلع على ما يخص الميت، فقد تحتوي أجهزته على وصية له، أو أرقام حسابات، أو حقوق للخلق وغير ذلك، وهنا يؤخذ وينجز ما فيه مصلحة للميت، وإن عرض خطأ من أخطاء الميت ارتكبه في حال حياته فإنه يُخفى ويُستر ويكتم من قبل الشخص الثقة الذي عينته الأسرة. يقود الفضول إلى معرفة ما يحتويه جهاز الميت للحاجة فقط وقال "محمد الجريان" -مستشار أسري-: يُحتفظ بجوال الميت للحاجة فقط، كرسائل بعض البنوك، أو بعض الضروريات كدين عليه أو له مبالغ لدى أشخاص آخرين، مضيفاً أن المسؤول عنه هو زوجته أو وكيل الورثة، حيث يحفظ حتى تنتهي الحاجة منه نهائياً، ثم يفصل بعد ذلك من الخدمة أو ينتقل إلى زوجته أو أحد أبنائه الذي يريد أن يحتفظ برقم المتوفى، مؤكداً على أن الرقم هو المهم، أما الجهاز فالأفضل مسح المقاطع والرسائل السلبية، أما الأشياء الخاصة ك"الايميل" فيلغى من الخدمة أولاً، ثم يحذف من الجهاز، متسائلاً: لماذا هذا النظرة التشاؤمية ونحن نتكلم عن وجود مقاطع سلبية؟، مشيراً إلى أن الأصل أننا سنجد أشياء مفيدة وربما خيرية، ويكون خيرها جارياً حتى بعد وفاته، كاستقطاع شهري لجمعية معينة. تصفح الجهاز يُعيد ذكرى الميت ويُحزن الأسرة