لا يزين المجتمع إلا المعرفة والثقافة لأنهما مفتاحان للتمدن الحضاري ومجالان واسعان للحياة والإبداع فيها، فالحضارات التي بنيت على الأرض ما بنيت إلا من العلم والعرفان والجهود المكثفة سواء كانت جهوداً معنوية وقيمية أو جهوداً مادية بطبيعة الحال، ومجتمعنا الكبير له ثقافة معطاة من قبل رجالها الذين ما فتئوا ينتجون بفكرهم ورأيهم ودينهم ودنياهم ما يساعد هذا المجتمع على حب المعرفة وحب الثقافة، الأمر الذي يجعل مسؤولية المثقفين ورجال المعرفة مسؤولية كبرى، لذا فإن المجتمع ينبغي أن يهتم بثقافته العارفون وبمعرفته الحضاريون، وقد فتح باب هذه الثقافة وهذه المعرفة منذ مدة ليست بالقصيرة، وبدأ الأفراد والجماعات يدركون أهمية الثقافة في حياتهم، سواء كان عبر العلم والعمل أو عن طريق التفكير من أجل التنمية البشرية والتنمية الحضارية والتنمية العملية. وهذه ظاهرة يحمد لها، بيد أن الموضوع لا يزال بحاجة إلى اعتناء المثقفين بطرح قضية التنمية الثقافية ومساعدة المجتمع على تلقي الثقافة والتثقيف والأدب والاجتماع والعلوم الإنسانية بصفة عامة على بساط الحياة الدنيوية اليومية، بحيث إننا نقدم بعض المعلومات التي بإمكانها تنبيه المتلقي لها في أقصر وقت وفي جو ملائم حتى يشعر هذا المتلقي أن معلوماته المعطاة أمراً قد طرح على بساط وعيه وفهمه وذهنه، حينها يدرك الفائدة من هذه المعلومات أو تلك من خلال حديثه مع الآخرين ومخاطبة الغير له، وهو أمر جد بسيط وسهل التناول من خلال الممارسة الشعورية والذهنية والسمعية والبصرية لأفراد المجتمع وجماعاته، على أن مجتمعنا الكبير قد أعطي سبلاً ووسائل نحو التعامل بالمعلومات والتحدث بها مع ممارسته اليومية والعملية للحياة من ذلك وجود المكتبات الورقية والتقنية التي تعطي كل فرد يستخدمها من خلال الكتب سواء كان ورقياً أم تقنياً فالثقافات والآداب والفنون والقيم الحميدة الراشدة وتجنب ما يعكر هذا الجو المعنوي الواسع الذي بإمكان لا مجتمعنا فحسب بل شعوب العالم أجمع من أن يتلقى هذه الأمور والعناصر الثقافية والمعرفية والظواهر العلمية والأدبية إلى حيز الوجود، وبالتالي فإن وجود معالم أخرى للثقافة والتثقيف عبر الكليات والجامعات الأكاديمية على سبيل المثال هي من قبيل تنمية المعارف والمعلومات والأفكار والرؤى بصفة عامة في أذهان أفراد المجتمع وجماعاته كي يمارسها ويقوم بتفعيلها على الساحة اليومية في العمل والعلم والأدب والدين في مجالات الحياة الأوسع وأكوانها الأكبر، وإذا وضعنا هذه النقاط على حروفها نكون قد علمنا مدى قدرتنا على تحمل المسؤولية وأقصد بهؤلاء معشر المثقفين والكتاب والمفكرين الذين هم على صلة دائمة بالمراجع العلمية والمصادر الثقافية معنوياً ومادياً، وهناك مجالات كثيرة لتلقي المجتمع للثقافة المعطاة من قبل رجالها بصفات واسعة في المعنى والمبنى وبالقيم السامية الحميدة، وأنا زعيم من أنه سيتم الكسب وتتم عملية الفائدة إذا ما سرنا على هذه الوتيرة التي أدعو إليها كل مثقف وأديب وكل مفكر أريب، ولست الوحيد القائل بذلك، وإنما أدعو هؤلاء المثقفين وأذكرهم بما أقول، فمجتمعنا المستقبلي سيكون بمشيئة الله أكثر وعياً وأكثر شباباً وطلبا للعلم والمعرفة وبالذات المرحلة القريبة القادمة التي ستشهد حضارات أو حضارة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، هذا إذا ما تذكرنا المنشآت العلمية والهندسية والتقنية والمادية التي أنشئت في السنين القليلة الماضية، من قبل ولي الأمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إضافة إلى ما كان موجوداً على الأرض مثل "مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية"، هذه المعالم العلمية والحضارية جديرة بتنمية العناصر العقلية والذهنية والهندسية والصناعية لدى الطلبة.. طلبة العلوم والهندسة والطب والإنشاء والتعمير، إضافة إلى اطلاعهم على الثقافات المنفتحة التي طرحناها في هذا الحديث، وفي هذا السبيل نقول إن مجتمعنا غير معذور على أي تقصير قد يحدث في تصوره للأشياء العلمية بعد الذي وضحه لنا رجالات هذه العلوم ورجالات الثقافة من خلال الساحة الواضحة والمبينة سلفاً. إن المرحلة العتيدة ذات أهمية كبرى لتلقي الثقافة والمعرفة، والشاهد أنه ينبغي الاستفادة والوعي بهما كي نسير عبر دروب التقدم والتقنية والعلم والتنمية في فضاء الحياة المبشرة بالنجاح والفلاح، حتى ننال المطلوب من خلال تلك العلوم والآداب والفنون.