يحتاج الرجل دائماً إلى المرأة في جميع مراحل حياته، يتعلق بحضن والدته وهو طفل، وعندما يكبُر يصبح أخاً حنوناً يغدق بحنانه على شقيقته، ويستمد منها قوته التي تجعله السند الأول لها في حياتها، والصديق الوفي الذي تستند على جداره وترسم أحلامها عليه, يكبر أكثر فيبحث عن المرأة التي تلعب أهم الأدوار في حياته الزوجة والحبيبة والصديقة وشريكة الحياة، فيستمد منها الكثير من المشاعر التي تجعله يتغلب على الكثير من مصاعب الحياة، لكن أحياناً يتسلل الخوف إلى قلبه من هذا الكائن الرقيق، فنجده يهرب من الإجابة عن أسئلتها اذا احتاجت أمراً ما، ويتجنب الوقوف معها في الأماكن العامة، بل وصل الأمر إلى خوفه من أن تُخبئ له مشاكل قد تهدد مستقبل أسرته، وهو ما يُعد أسلوباً خاطئاً لا مُبرر له. وتلعب الثقافة التي ينشأ عليها الرجل دوراً كبيراً في الخوف من المرأة، كأن يقال له: "عيب أنت رجّال كيف تأخذ أوامر من حرمة؟"، أو "كيف امرأة تعلمك وتوجهك؟"، كذلك هناك من يجهل مهارات التعامل مع "الجنس الناعم"، وهو ما يدفعه إلى الخوف منهن، بل وقد يصل الأمر إلى الارتباك أمامهن. نحتاج إلى إيجاد «ثقافة جديدة» بين الرجال والنساء تُبنى على المسؤولية والتوازن والانضباط ومن الحلول التي من شأنها تعزيز ثقة الرجل بالمرأة أن تكون التنشئة الأسرية قائمة على الحُب والتعاون والتقبل، كذلك لابد من تزويد الأبناء بمعلومات كافية عن كيفية التعامل مع الأنثى، إضافةً إلى أهمية وجود دورات في هذا الشأن إلى عموم المجتمع، إلى جانب غرس القيم الأخلاقية والدينية في نفوس الأفراد من خلال الإعلام وخُطب المساجد ووسائل التواصل الاجتماعي، كذلك لابد أن يكون مستوى الثقة بين الأفراد -ذكوراً وإناثاً- عالية، فلا يكون هناك تخوف من طرف تجاه آخر، وأخيراً لابد من إيجاد ثقافة جديدة بين الطرفين -رجالاً ونساءاً- تُبنى على المسؤولية والتوازن والانضباط، وهو ما يُحقق الفائدة للمجتمع. الثقافة التي ينشأ عليها الرجل هي من تُحدد علاقته مع المرأة صدمة انفعالية وقال "د. محمد بن مترك القحطاني" -عضو هيئة التدريس بقسم علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية-: إن خوف الرجل من المرأة ليس مزحة ولا دعابة ويعاني منه الكثير من أفراد المجتمع، مرجعاً ذلك إلى عدة أسباب؛ فالتنشئة الأسرية القائمة على التفرقة والتسلط بين الجنسين تجعل الرجل يخاف من المرأة في العمل والحياة والتعامل معها بشكل عام، مضيفاً أن هناك صدمة انفعالية عنيفة قد يمر بها بعض الرجال من النساء، فيعممها على جميع النساء، بل ويردد محذراً منهن في مجالسه, مبيناً أن الثقافة التي ينشأ عليها الرجل والتي تسبب له الخوف من المشاركة مع المرأة كأن يقال له: "عيب أنت رجل كيف تأخذ أوامر من امرأة؟"، أو "كيف امرأة تعلمك وتوجهك"، مشيراً إلى أن الثقافة تسبب له الخوف منها ومشاركتها في الحياة والعمل، وعدم معرفة الفرد بمهارات التعامل مع المرأة يدفعه من الخوف منها، وهو ما يجعله يرتبك ويهرب منها. د. محمد القحطاني صورة نمطية وأوضح "د. القحطاني" ان انخفاض الذكاء الاجتماعي لدى بعض الرجال قد يدفعه إلى عدم التعامل مع المرأة، فالذكاء يعني القدرة على تكوين مهارات مع الآخرين والمحافظة على هذه العلاقات وتطويرها، مضيفاً أن البعض ليس لديه القدرة على تكوين علاقات جيدة مع الآخرين، مبيناً أن أسباب خوف الرجل يرجع إلى الصورة النمطية السلبية للمرأة، كأن يقول: "النساء كلامهم كثير، ويوجع الراس"، فيعطي صورة سلبية عنهن، وبالتالي يخاف من التعامل معهن، بل ويتجنبهن في العمل والحياة، مؤكداً أن الشخصية النرجسية لدى بعض الرجال تدفعهم الى تضخيم الذات والأنا، فينظر إلى المرأة نظرة دونية، فلا يقبل منها أي تعليمات في العمل، لافتاً إلى أن خوف الرجل من المرأة يأتي على شكل سلوكيات، فيتجنب التعامل معها، كأن يرفض أن يعمل في بيئة مختلطة، أو أن يرفض حضور دورة تلقيها امرأة. د. إبراهيم الجوير شخصية متعالية وأكد "د. القحطاني" على أن الثقافة والتاريخ القديم تلعب دورا في هذا الخوف؛ لأنه كان ينظر للرجل أنه المهيمن والمسيطر، وأن الحياة تسير بأهوائه والمرأة تحصيل حاصل، لكن مع التطور ودخول المرأة في عدة مجالات وإثباتها لنجاحها تغيرت الصورة، إلاّ أنه مازال بعض الرجال التقليديين يخافوا التعامل مع المرأة، خاصة التقليدية، مضيفاً أن الخوف من الزواج أحد أسباب خوف الرجل من المرأة، فهو يخاف من ضياع حريته، وعندما يضطر للزواج نجده يتعامل مع بناته بأسلوب قد يجعلهن انطوائيين، موضحاً أن شخصيات الأبناء تشكلها شخصية الوالدين، ومن يخاف من النساء قد يصبح أبناؤه يخافون منهن، مشيراً إلى أن بعض الرجال ذوي الشخصية النرجسية المتعالية يخافون من المرأة الذكية أو المتحدثة أو ذات الشخصية القوية، ويبحثون عن الشخصية الحليمة أو الطفولية، أما أصحاب الشخصية الانفتاحية فيفضلون المرأة المتعلمة، ذاكراً أن بعض الرجال يخافون من شخصيات بعض النساء إذا كانت تتنافى مع رغباته وميوله وأفكاره. د. أبوبكر باقادر تقديم دورات وأرجع "د. القحطاني" أسباب الخوف من المرأة إلى أن الرجل يعتقد أنها مصدقة دائماً، فاذا اتهمته او ادعت عليه، فمن المؤكد أنه سيصاب بأذى وسيتخذ ضده أمر سلبي، وبعض الرجال يخاف من تجربة الحُب، خاصةً لمن له خبرة سلبية سابقة، مما يجعله يخاف أن يقع في تجربة حب جديدة، أو أن يكوّن علاقة حديثة، وأحياناً يكون قد تلقن معلومات من الأصدقاء عن مساوئ الحُب، شارحاً الحلول لمعالجة الخوف من المرأة، والتي تكون بدايتها التنشئة الأسرية السليمة القائمة على الحُب والتعاون والتقبل، وكذلك التعامل بين الولد والبنت بعيداً عن التسلط والعدوان، إضافةً إلى تزويد الأبناء بمعلومات كافية عن كيفية التعامل مع الأنثى، ويمكن تقديم دورات في هذا الشأن لعموم المجتمع، إلى جانب غرس القيم الأخلاقية والدينية في نفوس الأفراد من خلال الإعلام وخُطب المساجد، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، مما يزيد من وعي الرجل بأهمية المرأة وكيفية التعامل معها، ولا ننسى أهمية الاستشهاد بالأحاديث والآيات القرآنية التي تكرم المرأة. مها الشهري تركيب اجتماعي وتحدثت "مها الشهري" -كاتبة- قائلةً: إن الخوف من المرأة شكل من أشكال التناقض الناجم عن خلل التركيب الاجتماعي والعميق بأنه لا يوجد احترام للكيان الأنثوي -حسب قولها-, مضيفةً أن حظر التعامل بين المرأة والرجل ولو كان بالمعروف أنتج لنا ظواهر عديدة، مبينةً أن خوف الرجل من التعامل مع المرأة كظاهرة يمكننا ملاحظتها, خاصةً المرأة التي تتجرأ بالحديث مع الرجل أو استفساره عن أمر معين، ولو كان ذلك في مكان عام أو مكان عمل؛ لأن البنية النفسية لدى الفرد بُنيت بالطريقة التي يشعر فيها الرجل أن تعامله مع المرأة يجعله في وضع مريب, هذا فضلاً عن صعوبة التواصل لدى البعض في نطاق العمل المختلط مع زميلته، خاصةً إن كان متزوجاً, وربما قد يفسر تعاملها في نفسه بسوء التهذيب أو انعدام الحياء، أو الظن أنها تمهد لتصل إلى أمر آخر, مُشيرةً إلى أن هناك الكثير من أنماط التفكير تعتقد أن التعامل مع المرأة يجعلها سهلة, لذلك يحاول الابتعاد عنها، أحيانا ظنا منه أن هذا التعامل يوقعه في الشبهة. توازن نفسي وأوضحت "مها الشهري" أن هناك دورا قد سهلته وسائل الاتصال لخلق أسلوب حياة بنمط جديد، من خلال التبادل الثقافي والفكري مع الجنس الآخر, وهذا ما يهيئ جرعات من الإدراك الذاتي، ولعل هذا الواقع الافتراضي يقترب من حياتنا الواقعية، وينعكس عليها إيجاباً، ذاكرةً أنه إذا ساعدت الأفكار في تشكيل أنماط السلوك والتعاملات أصبحت جاهزة للتطبيق، وهذا يمكن أن يساهم في إنتاج ثقافة جديدة تتعامل بها الأجيال مستقبلاً, حين تكون على قدر من المسؤولية والتوازن النفسي والانضباط، مضيفةً أنه مهما حاول الفرد التجرد من ثقافته إلاّ أنه تعاود عليه الأفكار والسلوكيات التي بنيت عليه الثقافة التي عاشت في قناعته؛ لأنها تبقى حية في اللاشعور، مُشددةً على أهمية أن ينهض الانسان بذاته، ويصحح قناعاته، وأن يتجرد من عدائية الرغبة المنغلقة التي فرضتها الثقافة, حتى لا يظهر بشكل الشخص الممتنع مما يتوهمه فقط. مستوى الثقة وقال "د. إبراهيم الجوير" -أستاذ علم الاجتماع-: إن نظرية الخوف من المرأة تتعلق بثقة الرجل والمرأة بنفسيهما، ومن خلال سلوك الإنسان نفسه ينطبع ذلك على التصرف الذي يفعله، فإذا كان الرجل سلوكه مستقيما فلا يخاف ولا يتأثر، لكن إذا كان هناك ما يريب فيبدأ الخوف، مضيفاً أن الإنسان عادةً لا يخاف إلاّ من تصرفه السلبي، وكذلك من عامل التنشئة الاجتماعية، وكيف يتعامل مع الجنس الآخر، ونظرة المجتمع، مبيناً أنه إذا كان مستوى الثقة بين أفراده عالية فلا يكون هناك تخوف من المرأة، لكن إذا كانت مستوى الثقة والتعامل مهتزين، فسيكون هذا الخوف، لافتا إلى أن أسلوب المرأة وشكلها يلعب دوراً في هذا الخوف، فإذا كانت محتشمة وأسلوبها مهذبا فلا يدعو ذلك للخوف منها، لكن إذا كانت مبتذلة في مظهرها مما يدعو للريبة فيفضل الرجل الابتعاد عن بواطن الشبهة. نفوذ وسُلطة وأشار "د. الجوير" الى أن الخوف من المرأة ينحصر بشكل خاص في المرأة ذات النفوذ والسُلطة، التي لديها تحكم في شؤون وحياة الآخرين، وهي شكوى يعيشها المجتمع الغربي، فبعض النساء إذا وصلن إلى مناصب وأدوار يبالغن في استخدامها ويفرضن أنفسهن على من تحت ادارتهن، مضيفاً أن هذا الأمر يُرجعه البعض إلى أن المرأة عانت، وعادة الضعيف إذا أصبح قوياً يسيء استخدام قوته للتعويض عمّا يشعر به من ظلم سابق، مؤكداً على أن علاقة المرأة بالرجل لم تتخلص من الظنون، وذلك لأنها تجربة جديدة، لكن العلاقة بينهما في جميع أنحاء العالم تكون محددة بقوانين ومعيار معين حتى تخرج من قالب الظنون السلبية. تخويف أخلاقي وأوضح "د. أبوبكر باقادر" -باحث اجتماعي- أن المجتمعات العربية والخليجية على وجه الخصوص تشير إلى أن الرجل يميز ضد المرأة ويعاملها معاملة قاسية، مضيفاً أن النساء ذوات الشخصية القوية يستطعن أحياناً أن يفرضن نوعا من التخويف ضمن التخويف الأخلاقي أو الفعلي للرجال، وهذا أمر محدود بحدوده، لكن بشكل عام نستطيع القول ان النظرة للمرأة في مجتمعنا انها تابعة للرجل وتحت سلطته، مبيناً أن بعض النساء يتحججن أن هذه التبعية والصورة والقوامة عليهن أمر ينبغي إعادة النظر فيه، وهذا القول أصبح موضع مسألة، مشيراً إلى أن المرأة تطلب أن يُحترم رأيها وحضورها وما لها من حقوق، والبعض يرى أن هناك رجالاً يقللون من شأنها، بحجة الخوف منها، على اعتبار أنها كائن يؤدي إلى المشاكل والمتزوج، ذاكراً أن هناك من يخشى أن يسيء فهم علاقته بالمرأة في العمل، وقد يكون له تأثير سلبي على زواجه.