كيف هانت المرأة السعودية حتى أصبحت مضغة في أفواه طالبي الشهرة والوصوليين والإقصائيين، حدّ الطعن في أخلاقها ودينها ووطنيتها، والتحريض عليها بالتحرش والاعتداء، والوقوف من قضاياها موقف الذي ينتقي ويختار ما يوافق أجندته متجاهلا ما يحيط بها من أخطار الدين نفسه لا يسمح بها، كل هذا لأنها طالبت بحقها في قيادة السيارة ككل نساء العالم، ما جعل كثيرين يتواطأون عليها، لكن لا عجب فنحن في زمن "الرُّوَيْبِضَة"، حدّ حشر مطربة عاشقة للصخب والإثارة أنفها في موضوع خاص بنا وهو موضوع قيادة السيارة. وهنا نسأل: هل ركوب المرأة مع الأجنبي أكان سائقا خاصا أم سائق ليموزين، أقل خطرا من قيادتها سيارتها؟ وهل رفض القيادة نابع من الخوف على المرأة أم الخوف من فقدان السيطرة على قضاياها؟ زمن "الرُّوَيْبِضَة " هو الذي جعل بعض النسوة يتكالبن على بنات جنسهن، فيكتبن خطاباً للديوان الملكي معترضات على توصية عضوات من مجلس الشورى بقيادة السيارة، ست من الأكاديميات السعوديات، وأخرى تزعم تارة أنها ناشطة وتارة أخرى توعوية (تكاثرت ألقابهاعلينا كتكاثر الظباء على خراش. فلا ندري أيها يصدق على صاحبته)! يتضمن الخطاب كثيرا من المبالغات والمغالطات، فمعظم ما أوردن في خطابهن حجة عليهن وليست لهن. ولعل أهمها غض البصر بل التجاهل التام عن فساد السائقين وجرائمهم. ويتضمن الخطاب المرسل" أوجه الاعتراضات الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والنظامية لقيادة المرأة للسيارة "كما يعتقدن، أما الجانب الشرعي فقد استندن فيه على فتوى من هيئة كبار العلماء وهي في النهاية رأي بشري وليست قرآنا منزلا، علاوة على أنه كم من المحرمات حرمت بفتوى شرعية ورأي متشدد كالبرقية والراديو والتلفزيون وتعليم البنات وعمل المرأة والقنوات الفضائية والبلاك بيري وهاتف الكاميرا، ومع مرور الزمن صارت حلالا، وأصبح من كان يحرمها أكثر الناس طلبا لها وتكالبا عليها. أما زعمهن بأن من أسباب كتابة الخطاب الحفاظ على المرأة من مخاطر القيادة، وتعرضها لمواقف صعبة! فهل ثمة ما هو أكثر خطورة على المرأة، وانتهاكا لأمنها من خلوتها بالسائق؟ ألا تتعرض البيوت والأسر لمخاطر جمة من إجرام السائقين؟ ألا تطالعنا الصحف يوميا بجرائمهم؛ فتارة تكون اغتصاباً وتارة أخرى ابتزازاً وخلوة وغيرها من الجرائم التي يندى لها الجبين، وهي في تزايد مستمر، فأين تعيش تلكم النسوة؟ ألا يقرأن الصحف التي تنشر على نحو يكاد يكون يوميا نماذج لإجرام السائقين؟ أناشد العقلاء من المواطنين الغيورين على النساء وحرمة البيوت، أناشدهم أن يضعوا عنوانا واحدا مما أكتبه هنا في أي محرك بحث لتنهال عليهم مآس يندى لها الجبين، وجرائم تستفز مشاعر الذين لا أجندات لديهم، ولا انتماءات سياسية تجعلهم يغضون الطرف عن تلكم الجرائم. اكتبوا فقط عنوانا واحدا مما يلي لتروا العجب: " في جريمة هزت الشارع السعودي، سائق حافلة طالبات بالدمام يعترف ب 200 اعتداء ومعاشرة جنسية"، "السائق الأجنبي والخطر القادم"، " طفلة مقتوله ومغتصبه من قبل السائق"، "جرائم السائقين الأخلاقية ضد بناتنا"، "نحن جلبنا الكثير من المجرمين وليس سائقين"، " السائق الخاص أتى لجلب الأغراض أم لهتك الأعراض؟" "الابتزاز الجنسي من جانب السائقين الأجانب جرائم مروعة وخطيرة جدا على الأسر"، "جرائم السائقين ابتزاز وخلوة وسلوكيات لا أخلاقية والإحصاءات غائبة"، "جامعية أنقذتها الهيئة من الاغتصاب وأخرى فكّرت في الهروب مع السائق"، "جرائم الليموزينات نساؤنا وبناتنا في خطر". يقول أحد الخبراء: "يسيطر السائق الأجنبي سيطرة تامة على الأسرة، ويعرف كذلك الثغرات الموجودة فيها، وماذا يدور في حياتها، فيبدأ الابتزاز سواء مادياً أو جنسياً". ويقول آخر: "تؤكد الإحصائيات ارتفاع جرائم السائقين في المجتمع السعودي، وهو غير مدرك لهذه الإحصائيات التي ترتفع سنوياً، وسنظل صامتين وننتظر إلى أن يحل في المجتمع انحلال أخلاقي وتدمير لعقيدتنا الإسلامية، ومن ثم نبدأ نلهث وراء البحث عن الحلول، لماذا لا نبحث عن حل الآن لمعالجة هذه المشكلة قبل تفشي هذه الظاهرة؟" لا أظن أن من لديه ذرة من نخوة وخوف على المجتمع برمته ينكر تلك الجرائم، أو يعتبرها أهون كثيرا من قيادة المرأة للسيارة، لأنه لو قادت المرأة وتعرضت لخطر- يحدث دوما بقيادتها وبغير قيادتها - أقول لو حدث هذا فإنه في الغالب يطالها وحدها،وأما وجود السائق الغريب في البيت وبين الأسرة فإجرامه يطال الجميع، حتى الرجال لن يسلموا من إجرامهم، وكم قرأنا في الصحف عن بعض السائقين من مروجي المخدرات الذين جعلوا بعض الأسر كلها مدمنة. لكن هكذا نحن دوما، حيث أدمنّا دفن رؤوسنا في الرمال كي لا نرى الحقيقة الصارخة متمسكين بآراء متطرفة وفاء لأجندات خاصة. وتماهيا مع زمن "الرُّوَيْبِضَة" تصر كاتبات الخطاب على "أن ما يصدر عن السائقين لا يقارن بجرائم الخادمات"! يبدو أن تلكم النسوة رغبة منهن في التمسك بمخاطر تترتب على قيادة المرأة، يصررن على التعمية والتغطية على جرائم السائقين، والمقارنة مع الخادمة ليست بذات وجه؛ فالغالب أن بعض الرجال هم من يتحرشون بالخادمة ويتزوجونها أحياناً، أما السائق فهو المعتدي وخطورته على الأسرة كافة أشد وأعظم من خطورة الخادمة على أفرادها، بسبب خلوته بالنساء، خاصة عند سفر الرجل عن البيت، وما يعانيه السائق من حرمان وكبت. فماذا يمكن أن يسمى صنيع اللاتي يزعمن خوفهن على المجتمع وهن يتجاهلن أمن أهم ركن فيه وهو الأسرة؟ فهل هذه وطنية أم مزايدة لذر الرماد في العيون والكيد لنساء أخريات! وهنا نسأل: هل ركوب المرأة مع الأجنبي أكان سائقا خاصا أم سائق ليموزين، أقل خطرا من قيادتها سيارتها؟ وهل رفض القيادة نابع من الخوف على المرأة أم الخوف من فقدان السيطرة على قضاياها؟ ثم ألا يقال إن القيادة خاضعة لرأي المجتمع؟ فمادام الأمر كذلك أليس من يردن القيادة فئة من المجتمع؟ إذن فلتقد السيارة من تريد، ومن لم ترد فلن يرغمها أحد كما كان لأمر في كل الأمور التي منعتها ذهنية التحريم. ومن مزاعمهن ما ذكرنه من أن: "قيادة المرأة ستترتب عليها خسائر اجتماعية كبيرة، مثل زيادة خروج المرأة والانشغال عن الأسرة" يقلن هذا في مغالطة صريحة، وإصرار عجيب على خلط الحقائق، وكأن المرأة لا تخرج الآن مع السائق خارج بيتها معظم الأوقات، وكلنا يعلم أن النساء وأطفالهن يشكلن معظم رواد الأسواق المطاعم والحدائق، بل إن السائق يريحها من عناء البحث عن مواقف، وذلك يشجعها على البقاء خارج بيتها فترات طويلة؛ لأن العبء الأكبر يتحمله السائق. أما الإسطوانة المشروخة فهي قولهن: "الانتقائية في المطالبة بحقوق المرأة، فبعض عضوات الشورى ومن يساندهن من الكتاب، يهدفون إلى الوصول لمطالب وأهداف معينة تخدم أجندتهم، في مقابل تجاهل مطالب أخرى لتهميش حقوق المرأة ". وقولهن هذا ينطبق عليه قول العرب: " رمتني بدائها وانسلت " فمن الذي ينتقي من قضايا المرأة ما يروقه؟ ومن الذي يعمل وفاءً لأجندات فيتجاهل أكبر الجرائم التي يتعرض لها مجتمعنا ويغض الطرف عنها؟ ألم أقل إنه زمن " الرُّوَيْبِضَة"؟ وأما القول بأن القيادة "تؤدي إلى التحول في الأدوار بشكل يهدد الاستقرار الأسري". فإني أسالهن ألم تتغير الأدوار بعد؟ أليست المرأة منذ سنوات طويلة وهي بمعية السائق تقوم بكل متطلبات الأسرة؟ أليست هي من يشتري كل لوازم الأسرة من مأكل وملبس وكماليات؟ أليست هي من يصحب الأطفال للمدارس وللطبيب ولزيارة أصدقائهم وأقاربهم وغير ذلك؟ إن كنّ لا يدرين فتلك مصيبة وإن كنّ يدرين ويتعامين فالمصيبة أعظم! وأما الاحتيال على منع القيادة بتوفير وسائل النقل العام، فمن ذا الذي سيقبل أن تركب نساؤه مع العمالة؟ لقد رأينا مشاريع النقل في دول خليجية ومعظم من يركبها هم العمالة الوافدة؟ ثم لو افترضنا أن النقل العام سيحل بعض المشكلة هل ستركبه النسوة المخمليات اللاتي يحرضن على زميلاتهن في مجلس الشورى؟ أم هو مجرد حيلة لتنسجم مع طرح هذا الزمن الرديء؟ ثم هل وسائل النقل العام ستقف عند كل بيت لتأخذ المرأة كما تفعل باصات المدارس؟ أم أن المرأة ستذهب للمحطة بنفسها؟ وكيف ستذهب، هل مع السائق أم مشيا على الأقدام؟ في الدول المتحضرة يوقف صاحب السيارة سيارته في مواقف محطة النقل العام خاصة الميترو ثم يذهب بواسطته، وعندما يعود يركب سيارته، فكيف ستفعل المرأة في هذه الحال؟ وتأتي الدعوة لعمل المرأة عن بعد مجرد وسيلة لإعادتها إلى البيت، ولا بأس في ذلك بشرط أن تعود قبلها مقدمات التوصية، ليبدأن بأنفسهن ويكنّ قدوة للأخريات! في زمن الرويبضة يدعو المتشددون إلى حماية المرأة من الاختلاط، ويحاربون ذلك بكل ما أوتوا من قوة وبأس، كاختلاط الموظفات والطبيبات والممرضات بزملائهن في بيئة عمل راقية، لكنهم يغضون أبصارهم عن اختلاط السائقين بهن لساعات طويلة وهي خلوة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، لكنها الانتقائية المقيتة وفاء للإيديولوجيا المتشددة التي تتمثل قول فرعون: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد)، وهي الانتقائية ذاتها التي جعلتهم يسمحون للبائع الأجنبي بالتحرش بالنسوة في محلات بيع ملابسها الداخلية وأدوات زينتها، بكلمات لزجة تسيل منها شهواته الشيطانية، لكن لا بأس فكما قلت إنه زمن الرويبضة!