كنت مترددة في الدخول للمصعد في احد المستشفيات لوجود رجل وزوجته المقعدة على كرسي متحرك. ولكني سعدت عندما بادر الرجل الذي يبدو في الستينيات من عمره بدعوتي للدخول قائلاً تفضلي يا أختي فهناك مكان يكفي. دلفت إلى المصعد وعندها بادرني الرجل بالحديث والله يا أختي الدنيا تعب!! أنا وزوجتي لدينا السكر والأطباء لا يستمعون لنا كثيراً!! السكر ارتفع عندنا بسبب أحزاننا وآلامنا، الحياة ليست سهلة. وعندها توقف المصعد وحان وقت خروجي فبادر الرجل بالاعتذار آسف يا أختي أزعجتك بكلامي! قلت له لا بأس لن أخرج ويمكنك متابعة حديثك أنت وزوجتك حتى يصل المصعد للطابق الذي تريدانه. وصل المصعد وخلال رحلته القصيرة لم يتوقفا عن الحديث معي! خرجا وخرجت معهما ووقف ثلاثتنا في صالة المستشفى. أخذ الرجل يتحدث وهو يكاد يبكي وفتح محفظته ليريني صورة لابنه الجامعي الذي راح ضحية حادث سيارة وشرح لي كيف يفتقده وكيف كان متفوقاً في الجامعة والكل يثني على أخلاقه.. الخ. قال لي بعد حديث لدقائق أنا آسف جداً أنا وزوجتي لا نعرفك وحدثناك بكل شؤون حياتنا وآلامنا وأحزاننا!! قلت يا أستاذ لا تقلق فهذا واجب إنساني. جميعنا يحتاج للحديث هذا من ناحية ومن ناحية آخرى هذا جزء كبير وهام من المهنة التي أمارسها وهي الإرشاد النفسي. المهم سعدت جداً جداً بجرأة الرجل وقدرته لفتح قلبه لإنسان غريب عنه ولا يعرف عنه شيئا حتى اسمه! علاوة على كوني امرأة، لكن حاجة الانسان أحيانا ليبوح بألمه لأي شخص أمامه حتى ولو كان غريبا.. حاجة ملحة وليست بالهينة. حقيقة يعتقد علماء النفس أن الانسان يرتاح للبوح للغريب أحيانا أكثر من شخص قريب منه ولا يعرفه. وذلك مرجعه أن الفرد أمام الشخص الغريب يبوح بكل ما يجول في خاطره وبلا قيود أو خوف من أن يقول شيئا يندم عليه! فهو مجرد شخص غريب ولن يراه لاحقا! في النهاية كل ما نحتاجه في هذه الدنيا شخص أيا كانت صفته أو صلته بنا، المهم أن يحسن الإنصات لنا!!