هنا لن أتحدث عن المدارس والمراكز الصحية التي مازالت جهاتنا تستأجر المزيد منها بسبب تعثر مشاريعها التي فرضت أن يدرس ويعالج الجيل الجديد في مبان مستأجره، فنحن نقرأ وباستغراب شديد حجماً كبيراً لطلب جهاتنا الحكومية استئجار مبان إدارية ومستودعات في جميع المدن والمحافظات والمراكز، والأشد غرابة عندما تعلم بالقيمة التي تم صرفها لقاء استئجار تلك المباني. ففي مدننا أصبحنا نشاهد جهاتنا تنتقل من مبانيها الحكومية إلى برج مستأجر في منطقة تجارية بعضها بأعلى من (30) مليون ريال سنوياً وأصبحت الأبراج والمباني الخالية هدفاً للمسوقين بعرضها على جهاتنا لاستئجارها وبمبالغ خيالية، حتى وان بقيت خالية لم تستخدم لسنوات وحسب مانشر من جهاتنا الرقابية عن بعضها، وهي تكاليف مالية سنوية ستجبر ميزانية الدولة على تحملها طوال السنوات القادمة في ظل عدم وجود أراض لجهاتنا ولتعثر مشاريعها، وإذا تجاوزنا الهدر المالي في استئجار مباني جهاتنا الرئيسة وفروعها بالمناطق التي يستلزم الأمر ووفق تفويض الصلاحية منح الفروع الرئيسة بالمناطق الصلاحيات لخدمة المواطنين في مقارهم، فإننا نجد مبالغة كبيرة في استئجار مبان في محافظات ومراكز كفروع كل ماتقدمه هو استلام معاملات المراجعين وإرسالها للفرع الرئيس ومن ثم تسليمها بعد انجازها للمواطن وكأنها مكتب بريد، والمبالغة الأخرى في المواصفات بالإعلان بطلب صالات ومساحات خارجية وغرف كثيرة بمبلغ يتجاوز (170) الف ريال مع ان عدد موظفي الفرع (6) موظفين قد يستخدم جزء منه للسكن، والمؤسف عندما يضطر المراجعون لقطع مسافات طويلة لمراجعة المقر الرئيس لعدم فاعليه فرع محافظتهم الذي مع معرفة عدم الجدوى منه يتم تجديد العقد او البحث عن مبنى آخر جديد وبسعر أعلى. وقد يستغرب البعض إذا ذكرت بأن الخلل أصبح في مرونة النظام، ففي الوقت الذي منح فيه نظام استئجار الدولة للعقار للجهات الحكومية صلاحية تقدير الحاجة من استئجار العقار ومواصفاته، أساءت بعض جهاتنا تقدير المسؤولية في ممارسة تلك الصلاحية وتوسعت بشكل كبير في استئجار مبان لايعلم مسؤولو جهاتنا بالمركز الرئيس مدى الحاجة لها وإنها مجرد استئجار مبنى لأحد أقرباء مسؤول او متنفذ بالمدينة او المحافظة يتم تطبيق المواصفات عليه، حيث يتم الاكتفاء بطلب مدير الفرع بالمنطقة باستئجار المبنى مدعما بعبارات سحرية "التسهيل على المواطنين والمراجعين" وبعد موافقة المسؤول تستكمل باقي إجراءات الاستئجار مع الحرص بأن يكون اقل من (200) ألف ريال حتى لاتُجبر الجهة وفقا للنظام على مشاركة وزارة المالية في تقدير قيمة الإيجار! فالحقيقة انه لاتوجد أي رقابة على الجهة في تقدير الحاجة للاستئجار وعدم المبالغة في القيمة، ولو استفسرنا من مسؤولي الجهة عن مبرر استئجار مبنى خال لايوجد به موظفون لاكتفوا بعبارة: إن صاحب الصلاحية موافق! ومع تزايد حالات استئجار مبان لسنا بحاجه لها وعقود نظافتها، نجد أن الدولة تتحمل أعباء مالية ماكان يجب أن تكون لو طبق معيار الجدوى من الاستئجار والقيمة العادلة. وأمام ذلك الحجم المتزايد من عقود الاستئجار في جميع المناطق لانستغرب الارتفاع المبالغ فيه بأسعار العقار بالمدن والمحافظات التي تضخمت فيها أسعار الشقق وتضرر مواطنوها من تعدد المباني المؤجرة على الحكومة، بل أصبح هناك من يطالب بفتح فرع او مكتب بمحافظات وهجر لتسويق عقاره على الدولة، وقد ترتب على ذلك الهدر اعتماد تنفيذ مبان جديدة متعددة الأدوار في محافظات ومراكز اكبر من الاحتياج مما يضخم أيضا من تكلفة الصيانة والتشغيل. إن تجربة مجمع الدوائر الحكومية التي طبقت منذ سنوات طويلة في بعض المدن مثل حائل وأبها ونجحت لسنوات قبل التوسع العمراني بها، يمكن أن يتم تطبيقها في العديد من المحافظات والمراكز التي تحتاج حقاً لفتح فروع ومكاتب لجهاتنا لكونها تمثل تضافرا للإمكانيات في توفير الخدمة للمراجعين في مكان واحد والمواقف وعقد النظافة وتوحيد للمواصفات وعدد المكاتب وفق الحاجة وبدون مبالغة ومجاملات لأشخاص ومعارف يعرضون عقاراتهم على جهاتنا لاستئجارها مما يتسبب في تحميل ميزانية الدولة نفقات مستقبلية ليس لها مبرر.