يُشكِّل الاستثمار في مجال المحال والأسواق والمجمَّعات التجاريَّة مجالاً خصباً لتحقيق مكاسب اقتصاديَّة كبيرة تُدرُّ على أصحابها ملايين الريالات، وقد أدَّى ذلك إلى سعي العديد من التُّجار إلى التوسُّع في افتتاح العديد من الأسواق والفروع المُنبثقة عن المراكز الرئيسة، الأمر الذي نتج عنه طفرةً كبيرةً في هذا المجال؛ أدَّت إلى انتشار العديد منها في مُحافظات ومدن "المملكة" المُختلفة، وقد ترافق ذلك مع اعتماد العديد من المحال والمؤسسات والشركات التجاريَّة في ترويج السِّلع والمنتجات التي تقدمها للمستهلك على الوسائل الدعائيَّة والإعلانيَّة المُختلفة بشتَّى صورها، إلى جانب الاعتماد أيضاً على الخصومات والتنزيلات بين الحين والآخر. ومِمَّا لا شكَّ فيه أنَّ نمط سلوك العديد من المستهلكين لدينا يتأثَّر بهذه الوسائل بشكلٍ كبير، إلى جانب انتشار العديد من العادات الاستهلاكية التي لا تتوافق مع حاجة هؤلاء الأفراد أو قدرتهم الشرائيَّة، إذ أنَّ السلوك الاستهلاكي للفرد لا يتوفَّر بمُجرَّد توفُّر الرغبة لديه، بل لا بُدَّ أن يكون ذلك مصحوباً بتوفُّر القدرة الشرائيَّة أيضاً، وبالتالي فإنَّ تقليد والعادة في أنماط الاستهلاك يُعدَّان سِمَّة واضحةً لدى العديد من الأُسر. وهناك من يرى أنَّ انتشار الأسواق لدينا بهذا الشكل الكبير أدَّى إلى زيادة استهلاك العديد من الأُسر بشكلٍ بات يستنزف جانباً كبيراً من ميزانيَّة الأُسرة، إذ أنَّ ارتياد الأسواق والمُجمَّعات التجاريَّة بات من الأمور الضروريَّة لدى العديد من الأُسر، كما أنَّ منهم من يذهبون إلى هذه الأماكن بُغية الترويح عن النفس وطرد الملل والتمرُّد على الروتين اليوميّ، بيد أنَّهم قد يجدون أنفسهم من حيث لا يشعرون وسط معمعة التسوَّق وشراء بعض السلع والكماليَّات تحت تأثير الإغراء الذي يتعرَّضون له نتيجة العروض الترويجيَّة والخصومات التي تضعها بعض المحال التجاريَّة بين فترةٍ وأُخرى. ترشيد الاستهلاك وقالت "عفاف الصالح" -معلِّمة متقاعدة-:"مِمَّا لا شكَّ فيه أنَّ انتشار الأسواق بهذه الصورة اللافتة ساهم في زيادة استهلاك الأسرة؛ وذلك لأنَّ كثيراً مِمَّا يخطر على بال أفراد الأُسر بات يتم تداوله وبيعه فيها"، مُضيفةً أنَّ همَّ العديد من ربَّات المنازل بات محصوراً في إيجاد وسيلة النقل المُناسبة التي تنقلهنَّ إلى الأسواق المُنتشرة داخل المُدن، ومن ثمَّ البدء برحلة التسوُّق التي لا تخلو عادةً من شراء كُلِّ ما يلزم وما لا يلزم من الأغراض. وأضافت أنَّ العديد من المنازل تحوَّلت بهذا النَّهم في الشراء إلى مخازن تضمُّ سلعاً ومنتجات تنوء باستخدامها هذه الأُسر، لافتةً إلى أنَّ العديد من أفراد المُجتمع لا يمتلكون ثقافة ترشيد الاستهلاك بشكلٍ يُساهم في إيقاف هذه الظاهرة التي باتت تستنزف ما في جيوب أرباب الأُسر، داعيةً إلى إيجاد حملاتٍ توعويَّة لتعزيز هذا الجانب المُهم، مُؤكِّدةً على أنَّ الانتشار الكبير للأسواق ساهم بشكلٍ سلبيّ في إيجاد نوع من الاستهلاك غير المُقنَّن لدى العديد من أفراد المُجتمع، لا سيَّما ربَّات المنازل. عشوائيَّة الشراء وأيَّدتها في هذا الشأن "لولوة فهد" -موظفه في أحد البنوك-، مُضيفةً أنَّه لا يختلف اثنان على أنَّه لانتشار الأسواق دور كبير في تنمية الاقتصاد الوطني، إلى جانب توفُّر العديد من السلع والبضائع المُختلفة فيها، خاصَّةً ما يتمُّ استيراده من خارج "المملكة"، مُوضحةً أنَّ انتشار هذه الأسواق بشكلٍ مُتسارعٍ في الآونة الأخيرة ضاعف من استهلاك العديد من الأُسر، الأمر الذي ساعد في إيجاد ما يُمكن تسميته مجازاً "عشوائيَّة الشراء"، مُستشهدةً في هذا الشأن بوجود كمَّاً كبيراً من دِلال القهوة وأباريق الشاي وال"ترامس" والقدور في مطابخ العديد من هذه الأُسر، إلى جانب وجود أعداد كبيرة من الأجهزة في البيوت، في الوقت الذي لا يتمُّ فيه إلاَّ استخدام جزء بسيط منها بشكلٍ فعليّ في الوقت الذي يبقى فيه العديد منها مُجرَّد جُزء من ديكور المنزل فحسب. وأضافت أنَّ العديد من الرجال والنساء وحتَّى الشباب من الجنسين وجدوا أنفسهم تحت ضغط إغراء العروض الترويجيَّة التي تُقدِّمها بعض الأسواق والمُجمَّعات والمحال التجاريَّة مُجبرين على شراء ما يحتاجونه وما لا يحتاجونه من السِّلع والبضائع التي يتكدَّس عدد لا بأس به منها داخل أروقة منازلهم، وسط إنفاقهم أموالاً كان الأجدى أن تتمَّ الإفادة منها في جوانب أكثر أهميَّة. عروض التنزيلات وأشارت "إيمان العبدالله" -معلمة- إلى أنَّ تعدُّد وتنوُّع الأسواق يُعدُّ ظاهرةً صحيَّة تعكس مدى التقدُّم الكبير والتطوُّر الحضاري الذي وصلت إليه بلادنا في السنوات الماضية، بيد أنَّ ذلك لا يجب أن يكون على حساب ثقافة ترشيد الشراء، مُضيفةً أنَّ العديد من أفراد المُجتمع باتوا يُنفقون أموالاً كبيرة على شراء المُنتجات المحليَّة والمُستوردة التي امتلأت بها الأسواق، واصفةً ما يحدث ب "تسونامي الاستهلاك"، مُشيرةً إلى أنَّ العديد من المحال داخل المُجمَّعات التجاريَّة باتت تستورد العديد من السلع والبضائع والماركات العالميَّة من الخارج، الأمر الذي جعلها تلقى رواجاً كبيراً بين أوساط النساء والشباب من الجنسين؛ لكون العدد منهم يسعى إلى مواكبة آخر الصرعات العالميَّة في مجال الموضة على صعيد الملبوسات وغيرها من المُنتجات الأُخرى. وأضافت أنَّ ذلك أدَّى إلى اعتماد العديد من هذه المحال في زيادة مبيعاتها عبر التركيز على استهداف هذه الفئة، مُشيرةً إلى أنَّ العديد منها باتت تتفنَّن في إغرائها لها من خلال تسويق منتجاتها عبر المنشورات والإعلانات الترويجيَّة وال "بروشورات"، إلى جانب عروض التنزيلات التي تنتهجها بين الفينة والأُخرى، مُستشهدةً على ذلك بمُشاهدتها قبل عِدَّة أيَّام لأعدادٍ كبيرةٍ من المُتسوِّقين والمُتسوِّقات داخل أحد المُجمَّعات التجاريَّة الكبيرة بالأحساء، مُبيِّنةً أنَّ هؤلاء كانوا يتسوَّقون من أحد المحال الذي عمد على تنظيم مهرجان ترويجيّ ضمَّ تنزيلاتٍ على عددٍ محدودٍ من الأجهزة والأدوات الكهربائيَّة، مؤكِّدةً على أنَّ العديد من أفراد المُجتمع تنقصهم ثقافة الاستهلاك ويتأثَّرون بهذه العروض بدرجةٍ كبيرة. نمط سلوك المستهلكين يتأثَّر بالوسائل المُتاحة برنامج زمني ولفتت "فهدة ناصر" –طالبة- إلى أنَّ التوسُّع الكبير في مجال افتتاح العديد من الأسواق والمُجمَّعات التجاريَّة جعل العديد من أفراد المُجتمع، خاصَّة النساء لا يستطيعون التسوَّق فيها في يومٍ واحد، الأمر الذي جعل البعض يضع برنامجاً زمنياً للتسوّق قد يصل في بعض الأحيان إلى عدَّة أيَّام، مُضيفةً أنَّ بعض الأُسر أصبحت تضع قائمةً تتضمَّن أسماء الأسواق والمُجمَّعات التجاريَّة التي سوف تتسوَّق فيها؛ لاكتشاف ما في هذا السوق أو ذاك من سلع وبضائع تختلف عمَّا هو موجود في غيره من الأسواق، ومع ذلك فإنَّ هذه الأُسر قد تجد نفسها مُجبرةً على العودة إلى أيِّ من هذه الأسواق مرَّة أُخرى؛ لكونها تمتلئ بالعديد من المحال التي تعرض أشكالاً وألواناً من المُنتجات. وأضافت أنَّ زيارةً واحدةً في هذه الحالة قد لا تكون كافيةً لاكتشاف ما في هذا السوق من منتجات، لا سيَّما في حال كانت لدى الأُسرة مناسبةً مُعيَّنةً، إلى جانب وجود عروض تنزيلات وخصومات يشهدها أحد المحال داخل السوق، مُشيرةً إلى أنَّ العوامل السابقة مدعاة للمزيد من الاستهلاك والصرف غير المُقنَّن. دورات توعويَّة ورأت "حنان يوسف" -طالبة جامعيَّة- أنَّ ارتياد الأسواق والمُجمَّعات التجاريَّة بات من الأمور الضروريَّة لدى العديد من الأُسر، مُضيفةً أنَّ كثيراً من الأفراد قد يذهبون إلى هذه الأماكن بُغية الترويح عن النفس وطرد الملل والتمرُّد على الروتين اليوميّ، بيد أنَّهم قد يجدون أنفسهم من حيث لا يشعرون وسط معمعة التسوَّق وشراء بعض السلع والكماليَّات تحت تأثير الإغراء الذي يتعرَّضون له نتيجة العروض الترويجيَّة والخصومات التي تضعها بعض المحال التجاريَّة بين فترةٍ وأُخرى، مُشيرةً إلى أنَّ هؤلاء يفتقدون إلى ثقافة الشراء والاستهلاك، إذ أنَّهم في هذه الحالة قد يقعون تحت طائلة الشراء العشوائي. وأضافت أنَّ العديد من أفراد المُجتمعات المُتقدِّمة في العالم يُخطِّطون ويضعون برامج مُحدَّدة قبل الذهاب إلى الأسواق، وبالتالي أدَّى ذلك إلى شراء واقتناء ما يحتاجونه بالفعل، مُشيرةً إلى أنَّ نقيض هذه الصورة هو ما أدَّى إلى إقدام العديد من أفراد مُجتمعنا على الشراء بشكلٍ عشوائيّ، حتَّى لو كان ذلك على حساب ميزانيَّة الأُسرة الشهريَّة، لافتةً إلى أنَّ ذلك أدَّى إلى فوضى حقيقيَّة فيما يتعلَّق بتكدُّس العديد من الأجهزة الكهربائيَّة والالكترونيَّة وأدوات المطبخ التي تقبع عادةً داخل "دواليب" المطابخ في العديد من المنازل. ودعت إلى تنظيم دورات وبرامج توعويَّة للشباب المُقدم على الزواج من الجنسين برسومٍ ماليَّةٍ معقولة، إلى جانب تخصيص إعلانات توعويَّة بين فقرات البرامج والمُسلسلات التلفزيونيَّة والإذاعيَّة، وكذلك عبر الصحافة المقروءة؛ من أجل زيادة الوعي لدى أفراد المجتمع بأهميَّة ثقافة ترشيد الاستهلاك على كافَّة الأصعدة، خاصَّةً في جانب عمليَّات الشراء والتبضُّع. مبالغ مُحدَّدة وأوضحت "سعاد حمد" خبيرة اقتصاديَّة- أنَّ انتشار وتعدُّد الأسواق في مختلف دول العالم، إلى جانب لجوء العديد من الشركات والمؤسَّسات والمحال التجاريَّة إلى تسويق مُنتجاتها عبر الوسائل الدعائيَّة المُختلفة أثَّرت بشكلٍ سلبيّ على ثقافة المُستهلك وأوجدت منظومةً من عمليَّات الشراء غير المُنظَّمة في كثير الأحيان، مُضيفةً أنَّ مِمَّا أعان هذه الجهات على تحقيق أهدافها عدم امتلاك العديد من المُتسوِّقين والمُستهلكين الثقافة اللازمة في هذا المجال، مُشيرةً إلى أنَّ هذه العوامل أدَّت إلى إغراء المُستهلك، في ظلّ انتشار العديد من نقاط البيع التي سهَّلت عمليَّة الشراء عن طريق البطاقات الائتمانيَّة وبطاقات "فيزا" و"ماستر كارد". وأضافت أنَّ العديد من المُتسوِّقين فشلوا في تقنين عمليَّة الشراء هذه؛ نتيجة الاعتماد بشكلٍ مُطلق على هذه البطاقات، مُشدِّدةً على ضرورة التسوّق بمبالغ نقديَّة مُحدَّدةً سلفاً، بحيث لا يتم تجاوز هذا المبلغ بأيّ حالٍ من الأحوال في كُلِّ مرَّة يتمُّ فيها ذهاب المُستهلك إلى هذه الأسواق، حتَّى لو نتج عن ذلك عدم شراء ما يحتاجه بشكلٍ كامل، على أن يتم كتابة ما يحتاجه الفرد على "ورقة" أو "نوتة" قبل الذهاب إلى السوق. تسبب انتشار الأسواق والمجمَّعات التجاريَّة في وجود فوضى شرائيَّة