لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال أن نغفل دور الترجمة في مد جسور التواصل المعرفي والحضاري بين الشعوب، فاللغة وسيلة التواصل الأم بين الشعوب كافة فهي التي تحتمل وتتحمّل كل أشكال العلاقات فيما بين الناس.. وإذا كانت المملكة العربية السعودية تخطو خطوات رائدة ومميزة في مجال الترجمة لاسيما ماتقوم به وزارة التعليم العالي من جهود جبارة ومتتابعة في هذا المجال فإنّ ذلك يأتي غالبا انطلاقا من الرؤيا الإنسانية العامة التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين من خلال مبادرته وتبنّيه لمشروع الحوار بين الثقافات والحضارات.. وبالتالي تتجاوز التجربة هنا المشروع الثقافي الخاص إلى رؤيا إنسانية عامة تحاول جاهدة المساهمة في إنقاذ العالم من حمى الاختلافات الطائفية التي بدت تظهر على السطح حاملةً معها صراعات وحروب طاحنة هنا وهناك... إذن فالمشروع في رؤياه العامة بطابع إنساني صرف.. فضلا عما يمكن أن يقدّمه للمكتبة العربية الفقيرة جدا على مستوى المصطلح المعرفي بشكل عام.. وترجمة العلوم من العربية وإليها آتت أكَلها منذ فجر الحضارة الإسلامية فلا يمكن أن نغفل دور انفتاح العرب على حضارات متنوعة في حدوث تلك النهضة الحضارية العربية في أواخر العصر العباسي على سبيل المثال.. والأمر ينطبق على الحضارة الغربية التي استفادت بنهضتها من منجزات فلاسفتنا وعلمائنا المسلمين كابن الهيثم وابن رشد وغيرهم.. والحديث في هذا يطول ويتشعّب وقد يأخذنا بعيدًا عما استهدفه العنوان هنا والمتعلق بترجمة القصيدة العربية لغيرها من اللغات.. إذ إنني مازلت بيقين تام من أن القصيدة العربية تفقد كثيرا من مكوناتها الفنية حينما تنتقل للغة أخرى ذلك أنها تتخلّق دائما في رحم لغتها مستفيدة كثيرا من تقنيات اللغة العربية على مستوى الصوت والنحو معا.. ولا يمكنني بصدق أن أتصور إمكانية نقل ما تحدثه البلاغة أحيانا في النص تحديدًا ما نطلق عليها علم البديع (أو الحلى اللفظية) المؤثرة بشكل كبير في عدد من قصائدنا أو حتى ذلك التناص الصوتي أو اللفظي أو حتى عملية التقديم والتأخير وغيرها من التقنيات الشعرية الواعية لدور اللغة وتأثيره في القصيدة.. ومع أنني أدرك يقينا أن لكل لغة قدراتها وفضاءاتها الإبداعية على مستوى الشعر إلا أنني سأتساءل دون إجابة هل كل نص شعري عربي قابل للترجمة إلى لغةٍ أخرى.. وهل هناك معايير أو مقاييس للنص الشعري العربي المترجم ؟! نحن بلغة أدبية بطبعها وبتراكيبها المجازية المتواترة وبالتالي يمكنها احتمال كل نص شعري ينتقل إليها.. لكنها في الوقت ذاته كما أراها متمنّعة على جنينها الشعري الذي تخلّق في رحمها منذ أن وقف جدنا امرؤ القيس للبكاء واستوقفنا بعده كل هذه السنوات الطوال بصوته العربي وبحنينه البدوي.