لعل المثل القائل (أغلى من نجر المطوع) لم يكن عبثاً بل للواقعية فهذا النجر الذي أصبح مضرب المثل عند الناس واشتهر حتى أراد شراءه علية القوم وأعيانه في ذاك الزمن الغابر، فهذا هو المطوع ونجره الذي تميز عند بقية النجور في حينه؟ النجر سامه شارع الوهاب وكثر مير انا عييت فالمطوع رجل عاش أوائل القرن الثالث عشر الهجري في بلدة نفي واطلق عليه المطوع أو مطوع نفي وأصبح لقباً اشتهر به بين البادية والحاضرة، وصار لا يعرف إلا بالمطوع لأنه كان إمام وخطيب جامع نفي وهو المرجع فيها فيما يتعلق بعقود الأنكحة وأمور الرقية الشرعية، ولأنه يقرأ على جماعة المسجد من كتب الوعظ القديمة ككتاب ابن الجوزي (ذم الهوى) ولطائف المعارف (لابن رجب) وغيرها.. وعنده إلمام جيد بعلوم الشريعة وهو الذي يتولى تعليم الصبيان القرآن الكريم في نفي. سعدبن جنيدل أما اسمه فهو سعد بن ناصر بن مساعد من أسرة المساعد وقد انتقلت أسرته من بلدة المذنب إلى نفي كما حقق ذلك اسمه وأسرته وبعضا من جوانب حياته الأستاذ الأديب والبحاثة سعد بن عبدالله بن جنيدل (رحمه الله) في كتابه (نوادر وخواطر تراثية) ، ونجر المطوع هذا هو نجر يرمز إلى كرمه وسخائه وفتح بابه للضيوف، فكان منزله مناخاً من مناخات الكرم والضيافة فكل من حل بنفي لابد أن يأتيه ويقصد مناخ المطوع رحمه الله تعالى، والدليل على هذا النجر الذي لا يكاد ينقطع رنين صوته إلا عند النوم وفي أوقات الصلاة واشتهر هذا النجر بين الناس، فالجميع في ذاك الزمن لا يستعلمون في طحن القهوة إلا النجر، فلماذا اشتهر نجر المطوع؟ محمد السبيل فهو رمز لكرم الضيافة، إضافة لما يذكر الرواة والأخباريون أن له رنينا خاصا يصنعه المطوع بنفسه ويطرب لسماعه حينما يطحن القهوة، وإلا فالنجر ليس مصنوعاً من معدن نادر بل هو نجر يستطيع أن يصنعه كل شخص يجيد الصنعة ولكنه التفنن في إيقاعات الصوت التي يحدثها المطوع رحمه الله، ولعل شكل صنعته كان له رونق في مجسم النجر راجع إلى لفت الانتباه إلى هذا النجر الذي أصبح ثمنه أغلى من الذهب، بل لا يعدله شيء عند المطوع الذي اقترن اسمه بهذا النجر الذي صاحبه طوال حياته. سعيد كمال ولما مات المطوع اهمل هذا النجر وأصبح نسياً منسياً عند عامة الناس لكنه موجود في ذاكرة التراث الشعبي . ومن الذين أرادوا شراء النجر دغيليب بن خنيصر العتيبي وهو فارس معروف توفي في أوائل السبعينات الهجرية ، اخبرني بذلك الراوية الثقة ناصر العليوي، وأنه أكثر من مرة وقد كبرت سنه رحمه الله، فقد حل دغيليب على المطوع ورأى النجر واعجب به وبصوته وطلب من المطوع شراءه فرفض وامتنع وقال هذه الأبيات الجميلة: نجر المطوع يوم سامه دغيليب هو يحسب أني جالبه للمبيعه صكوا بي الأجناب هم والأصاحيب قالوا تبيعه قلت والله ما ابيعه باغ إلى جو ناهل الفطر الشيب اجواد مرفقهم عدو الشريعة أول قراهم دلتين وترحيب ترحيبة سهلة ونفس رفيعة عسى صبي ما يعرف المواجيب تجيه ليعات الليالي سريعة وجاء رجل آخر وهو شارع الوهاب وألح على المطوع بشراء النجر ، فقال المطوع هذين البيتين: النجر سامه شارع الوهاب وكثر مير انا عييت الله لا يتكل على الأسباب ان كان بعت النجر بعت البيت ابن لويحان عاش سعيدان المطور طوال حياته كلها في نفي هو وصديقه وأمير نفي العلم المشهور عبدالله بن سبيل رحمه الله وكانت بينهما ملاحاة شعرية طريفة وساخرة لم تفسد الود بينهما ولا زالت أطلال منزلي الشاعرين عبدالله بن سبيل وسعيدان المطوع باقية في نفي، كما أخبرني الأستاذ الفاضل محمد بن عبدالعزيز السبيل ، ويا ليت هيئة السياحة والآثار تعتني بهما فهما أثران مهمان لبلدة نفي. والجدير بالذكر أن الشارع الذي في شمال الرياض الذي اطلق عليه سعيد المطوع يقصد بهذا الشاعر وهو ليس اسمه سعيد بل سعيدان المطوع، وأتمنى من أمانة مدينة الرياض ملاحظة هذا فهو مشهور بسعيدان المطوع، مع أن اسمه الحقيقي سعد كما ذكر ابن جنيدل رحمه الله ولن يعرف أنه سعيد ووهم الأستاذ كمال واطلق عليه سعيد كمال في الأزهار. ابن خميس وحتى الراوية والشاعر والنابغة عبدالله بن لويحان رحمه الله روى للمطوع عدة قصائد وأبيات وذكر أن اسمه سعيدان أو سعد وبن لويحان هو من أوائل من اعتنى بشعر سعيدان المطوع في كتابه (روائع من الشعر النبطي) ولا شك أنه التقى به وأخذ عنه لأنهما من بلد واحدة وهي بلدة نفي وكذلك العلامة الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله فقد سطر في كتابه النادر الأدب الشعبي في جزيرة العرب عن سعد المطوع أبيات وقصائد وخصوصاً الأبيات التي حصلت له مع صديقه الشاعر عبدالله بن سبيل وكل من ترجم للمطوع لم يذكر أن اسمه سعيد سوى الأستاذ كمال ومن تبعه من المؤلفين.