عندما يجد الإنسان نفسه في وضع بائس فإنه قد يلجأ الى طرق لا تتفق مع العقل والمنطق بل ولا حتى مع الفطرة. فعندما صورت وسائل الإعلام لجوء البعض الى العلاج عند دجال او مشعوذ او حتى مدعي العلاج بالرقية الشرعية نجد ان اللوم يقع على الضحية فقط ووصفه بالجاهل المتخلف,ولكن الحقيقة غير ذلك تماما.فمن وضع الضحية في موقع العجز واليأس ووفر البيئة الصالحة لظهور انواع الدجل والاحتيال لاستغلال ضعف البائسين هو شريك في الجريمة. وهنا اتوقع-إن شاء الله - نشوء مؤسسات مجتمع مدني تُعنى بتقصي ظاهرة الاحتيال بشتى أوجهها وخاصة الموجهة ضد المرأة. فلو تتبعنا ظاهرة الاحتيال والابتزاز الموجه ضد المراة السعودية لوجدنا انفسنا –افردا ومؤسسات- شركاء في هذه الجريمة.فمن ابتزاز عبر سوء استخدام الوكالة الشرعية اومن اجل اصلاح جهاز تليفون او كمبيوتر او تقسيم إرث او متابعة معاملة الى غير ذلك من اشكال الاحتيال والابتزاز لو جدنا ان تلك المرأة كانت ضحية الدفع بها الى بيئة صالحة للاحتيال والابتزاز. ولعل التحذير الذي كرره مرارا المتحدث الرسمي باسم وزارة الخدمة المدنية عبدالعزيز الخنين نموذج واضح لتنامي ظاهرة الابتزاز الوظيفي للمتقدمات للوظائف النسائية.فالمتقدمات من الجامعيات ممن ينتظرن فرصة التوظيف يقعن ضحية قانصي فترة اليأس وطول الانتظار.ففي القياس الزمني نعرف ان دقيقة الانتظار اطول من ساعة المتعة.فاليأس وغياب المعلومات ضمن مجموعة دهاليز يسعى المحتال ان يوهم الضحية باخراجها من هذا النفق المظلم.وقد يتصور البعض ان هذا المحتال شخصية اسطورية تخطف اللقمة وتختفي.بل بالعكس تماما, فقد وقعت بعض المعلمات في فترة الانتظار الوظيفي او الترقيات او حتى انتظار حركة النقل ضحايا لمجموعة من ممتهني المحاماة بحجة الدفاع عن حقوقهن ودون ضمانات او معرفة قانونية باستعادة اتعاب وهمية غير مستحقة.اعتقد قبل وصف افراد المجتمع بالجهل والتخلف ان نحاسب الجهات التي خلقت بيئة الجهل والتخلف التي يقود خلالها الاحباط كل يائس الى مصير مجهول بأيدي المحتالين.فمن الحقوق الصحية الى الوظيفية الى المواصلات العامة والسلسلة تطول بحيث تجد المرأة السعودية وحتى المثقفات انهن في بيئة او دائرة احتيال تتسع بجهل من اجل ان تستصغر عقلها ظاهريا وواقع الحال هي تستغل فترة يأس وإحباط. ولكن واقع الحال الخطير اننا خلقنا بيئة تستصغر عقل المجتمع بكامله بذكوره وإناثه, بمسؤوليه وضحاياه. فكفانا هذا الموقف السلبي الذي نجد فيه بناتنا ضحايا بيئة قاصرة تدفعها كضحية ومن ثم نصفها بالجهل والتخلف. فالقاعدة التي يرددها البعض التي اعجبتنا بقولها "إن القانون لا يحمي المغفلين"لم تعد تقنع الجميع ولا تعفي من المسؤولية. فالضحية الذي يوصف ب"المغفل" هو صورة لمجتمع يقبل بتغفيل شريحة منه حتى باتت الشريحة الكبرى من المجتمع تعيش حالة مماثلة. بل إن ممارسة تغفيل الخليجي اصبحت موضة حول العالم العربي بسبب سكوتنا على صورة ذهنية رسمت مع ضحاياها دون ملاحقة قانونية.ولم تولد لنا زيادة في المغفلين فقط بل صدرنا المزيد من المحتالين المحليين لابتزاز مواطنيهم في الخارج. ولذا يجب ان يحمي القانون وبعقوبات رادعة وتشهير ابناء وبنات المجتمع حتى لا نصبح مجتمع مغفلين لا ضحايا فقط من المغفلين. وهنا تزداد مطالب الشفافية والعدل الوظيفي الذي لا يترك مجالا للتشكيك في الدور الريادي الذي تقوم به وزارة الخدمة المدنية الذي لن يكتمل بدورها منفردا وانما هو جزء من منظومة توعوية الاعلام شريك فيها.وليس شريكا فقط من الناحية الايجابية فقط وانما حتى بتعرية الممارسات الخاطئة التي تقوم بها اي جهة تعلن عن الوظائف وهمياً في تغفيل صريح للمجتمع وتمر دون عقوبة.او تلك الجهة التي تمارس الفوقية مع المراجعين او حجب المعلومات مما يضطر المرء الى واسطة لمن لديه او كضحية لمبتز او محتال لمن ليس لديه اي صلة بحرف"الواو الكبير". وحكمة العقل تقول:إذا كان في مجتمعنا علة ظاهرة اوجدت ثقافة الاحتيال والابتزاز فانتظروا أخواتها".فلكل علة اخوات وعلة الاحتيال طالت حتى وصلت الى الجامعيات و الجامعيين.ومن لم يوقن بالجزاء أفسد الشك يقينه.