هل لاحظت أن معظم اللقطات المسربة من سورية تأتي من خلال كاميرات الجوال؟ هل تنبهت الى أن قناة الجزيرة (بعد منعها في مصر) أصبحت تعتمد على المشاهد المصورة من قبل الناس العاديين؟ حتى سنوات قليلة مضت كان تصوير أي حدث يتطلب استدعاء مصور تلفزيوني محترف وكاميرا لا يقل سعرها عن ربع مليون ريال ؛ أما اليوم فتغير الحال وأصبح تصوير أي حدث لا يتطلب أكثر من إنسان عادي وهاتف مزود بكاميرة جوال مدمجة .. والفرق بين الحالين شاسع ويشكل قفزة كبيرة في عالم الصور والإعلام المرئي ؛ فالحالة الأولى لا تقارن من حيث الكم بالحالة الثانية (حيث يحمل ملايين الناس كاميراتهم الصغيرة مقابل كاميرا احترافية كبيرة ومصور يأتي متأخرا).. ورغم رداءة الصور التي يلتقطها عامة الناس إلا أنها تعوض ذلك بتعبيرها الصادق، وتوفرها الآني، وتواجدها في كل مكان بعكس الحالة الأولى التي تتطلب تحضيرا خاصا، ودعوة مسبقة، وتصنعا من المُصور والمصَور... ووجود كاميرا جاهزة لرصد أي حدث (في جيوب ملايين الناس) رفع في سنوات قليلة من أرشيف الصور الواقعية التي تميزت بقصرها وعفويتها ورصدها الآني للواقع.. ومنذ تأسيس الانترنت دخلت فيها بلايين الصور التي شكلت المادة الأساسية في بنائها / ومنذ تأسيس اليوتيوب عام 2005 أصبح بإمكان أي انسان إنزال الأفلام التي يلتقطها أو يعثر عليها ليشاهدها معه ملايين الناس عبر الانترنت .. وتكامل هذه العناصر صنع ثورة حقيقية في عالم الصور المرئية تجاوزت حاجز الرقابة وعقبة الاحتراف والكلفة الباهظة للإنتاج التلفزيوني.. فهي تتجاوز حاجز الرقابة كونها شعبية جدا ومتوفرة جدا ويسهل تسريبها لخارج الموقع (كما حدث مع صور أبو غريب ومظاهرات إيران ومصر وسوريا واليمن التي صورت بكاميرات جوال وتنتشر على الانترنت قبل استيعابها رسميا)!! وكنت قد نشرت مقالا بعنوان الأرشيف المصور للبشرية قلت فيه إن موقع اليوتيوب تحوّل خلال فترة قصيرة الى أرشيف تلفزيوني لكل مايحدث حول العالم.. ففي كل يوم يدخل فيه ما يتطلب 4 سنوات من المشاهدة المتواصلة، وفي كل 60 يوما يضيف لإرشيفه أكثر مما تنتجه أكبر ثلاث محطات تلفزيونية أمريكية خلال ستين عاما (ولاحظ أنني قلت هذا قبل فترة طويلة)!! ويعود سر نجاحه (وانفجار محتواه) الى قيام أكثر من 500 مليون إنسان غير متخصص (ومن كافة الدول) بالتحميل عليه والإضافة لمحتواه يوميا.. أما تفوقه على المحطات التلفزيونية فيعود الى قدرته على استقطاب أضعاف المشاهدين الأجانب الأمر الذي جعل شركات التلفزيون المحلية تلجأ إليه لبث برامجها حول العالم (حيث تأتي 70% من الزيارات من خارج أمريكا) .. واليوم لم يعد اليوتيوب من أكثر المواقع شعبية فقط؛ بل وتحول إلى أرشيف مصور (تتطلب مشاهدته أكثر من 100 عام) يحتفظ بالأحداث، ويرصد حياة الناس، ويخبر بأحوال الشعوب لقرون عديدة قادمة!! ... وفي الحقيقة اليوتيوب هنا مجرد نموذج لآلاف المواقع (وملايين الصور والمقاطع) الموجودة حاليا على الانترنت والتي لم تكن لتتوفر لو انتظرنا تواجد مصور محترف أو كاميرا متطورة في موقع الحدث .. وفي حين يتضاعف عددها باستمرار ينكشف العالم أكثر وأكثر بفضل ملايين العدسات الجديدة التي لا تتردد في رصد الأحداث دون سابق تخطيط وبثها في الانترنت دون إذن رسمي مسبق.. وإن كان صحيحا أن (الصورة خير من ألف خبر) فلك أن تتصور القفزة الهائلة في الأخبار والتقارير والمصداقية التي وفرتها مواقع الفيديو ودخول كاميرات الجوال في جيوب الناس!!