قد لا تكون حياتنا محصورة في اليوتيوب ولكنه بالتأكيد إحدى العلامات المميزة لعصرنا الحديث.. فهذا الموقع - الخاص بمقاطع الفيديو - تحوّل خلال فترة قصيرة الى أرشيف تلفزيوني لكل مايحدث حول العالم ويدخل فيه يوميا ما يتطلب 4 سنوات من المشاهدة المتواصلة.. ويعود سر نجاحه (وانفجار محتواه) الى قيام أكثر من 500 مليون إنسان ومن كافة الدول بالتحميل عليه والإضافة لمحتواه يوميا.. وهكذا أصبح الموقع يضيف لأرشيفه (خلال 60 يوماً) أكثر مما تنتجه أكبر ثلاث محطات تلفزيونية أمريكية (خلال ستين عاما).. كما تفوق عليها بقدرته على استقطاب خمسة أضعاف المشاهدين الأجانب (حيث تأتي 70% من الزيارات من خارج أمريكا) الأمر الذي جعل شركات التلفزيون تلجأ إليه لحفظ برامجها وبثها حول العالم!! ... وقصة اليوتيوب لا تختلف كثيرا عن قصة جوجل والفيسبوك وتويتر حيث بدأت بثلاثة شباب حالمين تساءلوا عن إمكانية إنشاء موقع خاص بمقاطع الفيديو بدل الأخبار والمعلومات المجردة.. وبسبب أهمية وبساطة الفكرة - وخشية ظهورها في أي وقت من جهة أخرى - سارع الثلاثة لتسجيل ملكية الموقع في فبراير 2005.. وحينها كان المؤسسون الثلاثة تشاد هارلي، وستيف تشن، وجاويد كاريم مجرد موظفين يعملون على تطوير موقع معروف لتحويل الأموال عبر الإنترنت يدعى PayPal .. ورغم أن الفكرة لم تكن جديدة تماما (حيث كانت محركات البحث الأخرى تملك مواقع فيديو خاصة بها) إلا أن اليوتيوب تفوق في استقلاليته وانفتاحه وخفه عرضه وتحميله .. والطريف أن الثلاثة فكروا في البداية بإنشاء موقع للتعارف بين الجنسين يستخدم مقاطع الفيدو.. ولكن حين فشل جاويد كريم (بنغالي الأصل) في إرسال أغنية عبر الإيميل بسبب سعتها الكبيرة قال ستيف تشن (صيني الأصل): لماذا لا ننشئ موقعاً لا يرسل الأغاني فقط بل ويحفظها في أرشيفه بحيث يمكن للجميع رؤيتها في أي وقت (وبفضل هذا الاقتراح ارتفع نصيبه في الشركة 362 مليون دولار). أما أول مقطع فيديو على اليوتيوب فتم بثه في 23 أبريل2005 وكان مجرد لقطة خجولة لجاويد كريم يظهر فيها في حديقة الحيوانات أمام أحد الفيلة! ... ولأن شركة جوجل المعروفة مرت بذات الموقف قبل سنوات قليلة كانت الأقرب لإدراك قيمة اليوتيوب وإمكاناته المستقبلية. وهكذا سارعت بعد عام من إنشائه الى شرائه بمبلغ خيالي بلغ 1,65 بليون دولار (6,187,500,000 ريال سعودي فقط) !!! ويبدو أن ضخامة الصفقة ذاتها ساهمت في شهرة اليوتيوب الذي أصبح من أسرع المواقع نموا وزيارة لدرجة تعطل ريسيفراته أكثر من مرة . فقد كان يُشاهد حينها من قبل 100 مليون زائر يومي ويحمل فيه أكثر من 65 ألف مقطع فيديو. أما هذا العام فتجاوز عدد زواره (البليونين) بمعدل 1,388,888 زيارة (في كل دقيقة) من شتى أنحاء العالم !! غير أن نجاحاً بهذا الحجم لا يأتي دون مشاكل أو عقبات أو حتى محاولات تقليد.. فقد سارعت شركات الموسيقى ومحطات البث إلى إنشاء مواقعها الخاصة ورفعت في نفس الوقت دعاوى قضائية على اليوتيوب بحجة اختراق حقوق الملكية.. وكانت المشكلة - حينها - أن اليوتيوب تسبب في قلب معايير الصناعة المرئية حين اكتشفت كافة الأطراف عدم وجود تشريعات واضحة لحفظ حقوق البث بهذه الطريقة.. ورغم أن الموقع قدم للمالكين حرية التحكم بعرض محتواهم بأنفسهم إلا أنه لم تختف عقبة (حقوق النشر) إلا حين أدركت شركات الانتاج أن بث موادها بهذه الطريقة يخدم في النهاية مصالحها هي!! ... واليوم لم يعد اليوتيوب من أكثر المواقع شعبية فقط؛ بل وتحول إلى أرشيف مصور (تتطلب مشاهدته أكثر من 100 عام) يحتفظ بالأحداث، ويرصد حياة الناس، ويخبر بأحوال الشعوب لقرون عديدة قادمة !!