جعل الله تعالى شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميزة خيرة للأمة الاسلامية بين الأمم، قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وقال تعالى كذلك عن هذه الشعيرة (.. الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله). ولكنه من الواجب على من يؤدي شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون متضلعاً في علوم الشريعة حلالها وحرامها أوامرها ونواهيها وأن يكون على اطلاع في ماهية ما يأمر إليه وما ينهى عنه قال ابن تيمية رحمه الله: إن على من يقوم بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تتوفر فيه شروط أربعة إلا وهي: الأول: أن يكون الآمر على علم في ما يأمر به. الثاني: أن يكون الناهي على علم فيما ينهى عنه. الثالث: أن يكون الآمر رحيماً على من يأمر. الرابع: أن يكون الناهي رحيماً على من ينهاه في هذا الأمر أو ذاك. فإذا توفرت هذه الشروط مجتمعة فإن الشخص الذي يقوم بهذه الشعيرة لن يرتكب خطأ لا سمح الله، ولن يبعد النجعة في نهيه وفي أمره.. إذا كانت هذه مدخلات الشخص الآمر والناهي على هذه الحال فإن مخرجاته بالضرورة صائبة. إن المنكر إذا تفشى في نوادي الناس العامة وفي أسواقهم فإنه يكون حرياً بنا النهي عنه عبر تلك المدخلات والشروط.. إن النهي عن المنكر لابد أن يوجد في مناخ عام على أعين الناس فالإنكار والحالة هذه ضروري ومسلمة من مسلمات الدين ولكن إن محاولة شم المنكر عن بعد والتكهن فيه ليس من تعاليم الشريعة الإسلامية من شيء هذا أولاً- وثانياً إنه يجب على رجل الهيئة أن يفرح بذهاب المنكر واختفائه أحب إليه من وجوده، وهذا هو بالطبع ما اعتقده من يقوم على هذه الهيئة. أي إنه يجب على رجل الهيئة أن يفرح بتفشي المعروف مثل ما يفرح في غياب المنكر وعدم الوقوع عليه.. أبلغ الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بأناس مجتمعين على منكر فذهب إليهم عثمان ووجدهم قد انفضوا فقال الحمد لله على ذلك. إن عثمان رضي الله عنه فرح بإقلاع هؤلاء الناس عن المنكر. وأحسب أن رجال الهيئة اليوم أنهم على هذا المسلك قد وعوا أهمية ما يقومون به وهذا يحسب لرئيس الهيئة وما أدخله من تطوير على هذا الجهاز.. إن أسلوب الهيئة اليوم أسلوب حضاري ابتعد عن التشنج والنشاز وهي ليست بدعا في الأجهزة الإدارية الأخرى.. يا رجال الهيئة إن المأمور والمنهي لن يستجبا للأمر أو النهي إلا بأسلوب مهذب.. وهو مبتغى الجميع وهكذا جبلت النفس البشرية على الانصياع لمن يحسن الأمر والنهي، وإن السلوك المهذب في الأمر والنهي هو إحسان للإنسان بالدرجة الأولى ولله در القائل: (طالما استعبد الإنسان إحسان) إن لين القلب ودماثة الخلق والرفق هو من مقتضيات الشريعة الإسلامية، قال تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه). إن الذين يقومون على هذه الشعيرة اليوم يقومون بها وهم يضعون نصب أعينهم هذه النصوص مستوحين منها ما يريده الله منهم. وخليق بهم ألا يحصل منهم أخطاء وهذا هو عتب المجتمع عليهم، وأحياناً يعتبون عتباً لا يتجاوز قول الشاعر: ما رأيت في الناس عيباً كنقص القادرين على التمام اللهم أحفظ ديننا وولاة أمرنا وبلادنا وجميع من يأمرنا وينهانا منطلقاً من ثوابت الشريعة.