منذ شهر مضى حزمت "آمنة" حقائبها وأعدت العدة لأداء فريضة الحج، وقرأت الكثير من "الكُتيبات" التي جلبتها لها ربة المنزل التي تعمل لديها، حيث اشترت مستلزماتها من أغطية للرأس وملابس وسجادة للصلاة ومصحف. "آمنة" تعمل كخادمة لدى عائلة منذ خمسة أعوام، ووعدتها ربة المنزل أنها عندما تنتهي خدمتها ستمكنها من أداء فريضة الحج، وكم كانت فرحتها كبيرة، عندما أبلغتها ربة المنزل بموعد الرحلة، ليطير قلبها من الفرح، حيث لم تصدق أذنيها، شكرتها كثيراً وذهبت في الحال لترتب أشياءها بالحقيبة وترى نواقصها، بدأت بعدها بقراءة العديد من الكتيبات لمناسك الحج وأركانه وواجباته. "آمنة" حالها مثل الكثير من العاملات اللاتي يأتين للمملكة بهدف العمل، لكن رغبتهن الكبيرة في أداء فريضة الحج لا تفارق مخيلتهن، حيث يعتبرنها فرصة كبيرة لتواجدهن في أرض الحرمين لأداء الحج، سواء مع كفلائهن، أو مع مؤسسات الداخل التي توفر لهن الأمان أثناء السفر والإقامة. وتستقبل المنازل العديد من الخادمات في كل عام، الأمر الذي يتطلب الإحسان إليهن، خاصةً من تُظهر عملاً مميزاً في المنزل، ويبقى السماح لهن بأداء "الحج" هو أغلى هدية تُقدم لهن، وهو ما يرفع معنوياتهن، ويشعرهن بوقوف الآخرين معهن، سواء في السراء أو الضراء، كما أن ذلك من شأنه أن يزيد أواصر المحبة والاحترام بين الخادمة وأفراد المنزل، إلاّ أنه يبقى من المهم تثقيف الحاجات من خلال الكتيبات والدروس الوعظية، التي تشرح أعمال الحج خطوة بخطوة وبلغاتهن، مع اختيار الحملات المناسبة التي توفر للحاج السكن الجيد والوجبات، إلى جانب البُعد عن الحملات رخيصة الثمن، والتي لا تتعدى خدماتها سوى التوصيل إلى مكة فقط!. رغبة أكيدة وقالت "مريم" -عاملة منزلية من أندونيسيا-: لقد حرصت منذ قدومي إلى المملكة أن أبلغ ربة عملي برغبتي في أداء فريضة الحج، فكان وجودي في المملكة فرصة عظيمة لأداء الفريضة، لكن بسبب ولادة ربة المنزل في السنة الثانية من وجودي لديهم تأخر تنفيذ طلبي، لكنه تحقق لي هذا العام ولله الحمد، حيث حجز لي رب عملي في حملة خاصة، وهذا ما سهّل علي عامل اللغة وشرح المناسك. وعن استعداداتها لأداء الفريضة أوضحت أنها لا تُنكر فضل صاحبة المنزل، فقد بذلت جهداً كبيرا منذ بداية قدومها للمملكة في تعليمها كل شرائع الإسلام، بدءاً بالوضوء والطريقة الصحيحة للصلاة، كما أنها أحضرت لها كتيبات وأشرطة في موضوعات متعددة، وحرصت على حضورها بعض المحاضرات التي تقام بلغتها، مشيرةً إلى أنها شجعتها على حفظ القرآن، وكانت تكافئها ببعض الهدايا والجوائز، مؤكدةً على أنها اختارت اثنتين من صديقاتي في نفس الحملة، وهو ما سيهون عليها أداء الفريضة، وإدخال الحماس بينهن على الطاعة وفعل الخيرات، سائلةً الله العلي القدير أن يتقبل منهن حجهن وصالح أعمالهن. شعور متبادل وأكدت السيدة "أم مساعد" على أن خادمتها "فاطمة" تستحق أداء فريضة الحج، فهي منذ مجيئها للعمل لدى عائلتها وهي تلح بطلب الحج في كل عام، مضيفةً أنها كانت تؤخرها في كل مرة حتى تشعر بأن فريضة الحج هي شعيرة عظيمة، ويجب أن تبلغها بعد أن تحقق أصول الدين بالكامل، إضافةً إلى تحقيق شرط المحرم في قدوم شقيقها للعمل لدى أخ زوجي كسائق قبل عام، مبينةً أن "فاطمة بمثابة أخت لها، وكانت دائماً ما تُشعرها بذلك، بل إنها تُحب الخير لها، وكثيراً ما تدعو الله أمامها بأن يجمعهما في الجنة، مشيرةً إلى أنها كانت تشعر بمبادلتها الشعور. أغلى هدية وذكرت "أم مساعد" أنها كانت ترفق بها في أعمال المنزل وتساعدها مع بناتها إذا كثر العمل لديها، وبالذات في المناسبات والأعياد، مضيفةً: "كانت فرحتها كبيرة عندما عملنا لها حفلة خاصة بمناسبة حجها هذا العام مع أخيها، ومفاجأة مني ومن زوجي وأبنائي، لم تكن تصدق عينيها وأنا أعطيها تذاكر السفر وبعض المستلزمات التي اشتريتها لها من لباس للإحرام وسجادة وقرآن وكتيبات وأدعية داخل حقيبة". وقالت العاملة "فاطمة" وهي تمسح دموع الفرح والامتنان: أشعر بأن الله يحبني بأن هيأ لي العمل لدى هذه الأسرة الكريمة، فخلال خمس سنوات عمل لديهم كنت أرى وأحس بأني فرد منهم، مبينةً أنها كانت مفاجأة الحج بحق أغلى هدية تحصل عليها في حياتها، لافتةً إلى أن "أم مساعد" أعطتها كتيبات بلغتها تشرح أعمال الحج خطوة بخطوة، ذاكرةً أن ذهاب أخيها "عبدالغفور" معها أفرحها كثيراً، داعيةً الله أن يُيسر لها ولأخيها حجهم، وأن يرزق الأسرة الأجر العظيم. تثقيف ودروس وتحدث "خالد بن سعد المذن" -صاحب حملة حج خاصة بالعمالة-، قائلاً: حج الخادمات يختلف اختلافا كليا عن باقي الحجيج، فالعاملة عدا أنها لا تتحدث العربية فهي امرأة ولها خصوصية، بل ليس لديها أي معلومات مسبقة عن أركان الحج وواجباته وفروضه، لذا نحرص أولاً على تثقيف الحاجات من خلال الكتيبات والدروس الوعظية، كما أننا مسؤولون مسؤولية كاملة عن أداء العاملة لجميع أعمال الحج من الطواف والعمرة والوقوف بعرفة والرمي، ونحرص أشد الحرص على التأكد من تأديتهن الأركان، مضيفاً أنهم يعملون على الإشراف المباشر عليهن من خلال بعض المشرفين المخصصين. وعن أعداد الحجيج التي تأخذها الحملة، أوضح أنهم يستقطبون في موسم الحج (150) حاجة، حيث يتراوح سعر الحج للعاملة خمسة آلاف ريال، مؤكداً على أنهم يوفرون للحاج السكن في منى وتقديم الوجبات الثلاثة وجميعها من الأكل المعروف في بلادهم، ذاكراً أنه يتوفر أربعة مشرفين وداعيات من نفس جنسية الحجاج، لتبيين المشاعر وأركان الحج بلغتهن. حملات ناجحة وأثنى "المذن" على الحملات الأمنية التي نفذت بكافة مناطق المملكة، والتي قللت بنسبة (90%) من الحملات الوهمية، واستهدفت متابعة كافة حملات الحج الموجودة في كل منطقة، والتأكد من نظاميتها، والقبض على أصحاب الحملات المخالفة والحملات الوهمية، إضافةً إلى عرض ذلك على جهات الاختصاص لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقهم، إلى جانب إقامة نقاط تفتيش مفاجئة على الطرق الرابطة بين مناطق المملكة والمشاعر المقدسة، للتأكد من التزام الحملات بالاشتراطات اللازمة، مبيناً أنه يوجد مكاتب استقدام يعتمد بعضها على تزوير إيصالات ومستندات تحمل اسم مكتب حج حقيقيا لتتعامل بها، ثم التحايل على الراغبين في أداء فريضة الحج مقابل مبلغ مالي يدفع لتحجيجهم وهمياً!. موقف صعب وروى "المذن" بعض المواقف الصعبة التي مرت عليهم خلال الأعوام الماضية، قائلاً: هناك أرباب عمل يتأخرون بالحجز وإلحاق العاملة التي لديه بوقت كاف، فتُحرم من الإجراءات التي تسبق الحج، سواء من التهيئة في الذكر والعلم بالأركان، أو الدروس الوعظية، مشيراً إلى أنه قبل كم عام اتصل عليه أحد المواطنين من الأحساء يرغب بإلحاق خادمته، لكنه اعتذر منه لإغلاق باب الحج ووصولهم إلى الأراضي المقدسة، إلاّ أن ذلك الرجل ألح عليه برغبته في الحاق خادمته بركب الحجيج؛ لأنها غضبت من عدم تبكيرها بالحجز، حتى أنه عرض عليه أن يحضرها بنفسه بالسيارة، وفعلاً أحضرها مع زوجته من الأحساء إلى مكةالمكرمة. تسهيل حج الخادمات رغم عدم النص عليه في العقد يعكس جانباً إنسانياً للأسرة السعودية «أرشيف الرياض» فرحة أداء الفريضة كبيرة والتزام الأسر بالوعد منحهن مزيداً من الثقة خالد المذن