لا شك إن المتابع لمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي ومن سار على نهجها من وسائل الإعلام التقليدي والجديد في منهجها النقدي يصل لحالة من الإحباط قد تؤدي به إلى اليأس من حال بلدنا وصلاحية مؤسساته والقائمين عليها، وهذه حالة خطيرة جداً إذا تملكت مخيلة عموم أبناء الوطن وكذلك المتعاملون من الخارج مع مؤسساته ومواطنيه فالتعاملات الإنسانية الفردية والمؤسساتية العامة والخاصة مبنية على الثقة بالفرد أو بالمؤسسة، وبالتالي الثقة بالدولة ذاتها، لا شك أن هناك من يدفع بنا لهذه الحالة عن سوء قصد وترصد، ولكن كثيراً ممن يشارك من أبناء الوطن في هذه الموجات العاتية والمتعاقبة يحركها حبها لوطنها وسعيها؛ لأن يكون وطنهم في مقدمة الأمم ولا شك أن هذه غاية طيبة ونبيلة، ولكنها تتطلب وسائل سليمة تحقق الهدف. النقد الإيجابي مهم ومطلوب وهو طريق الإنسان والمؤسسات والمجتمعات الوحيد للحفاظ على المنجز وللتقدم والازدهار، العلماء يصنفون بالإجمال النقد إلى نوعين الأول نقد بناء يرتقي بالفرد وبالتالي الأمم وهذا النوع من النقد ما تمارسه المجتمعات الناهضة اليوم، وهو من مهام الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية العامة والخاصة سواء في الوسائل القديمة أو الجديدة، بحيث يستخدم الجميع وسائل التواصل الاجتماعي للأغراض التي ابتكرت من اجلها، ومنها زيادة التواصل والحوار المحمود بين أفراد المجتمع المحلي والإنساني، وكذلك استثمرت تلك الوسائل في تنمية الذات لزيادة محصلة الفرد من المعرفية ومن المهارة ومن الخبرة، والنوع الآخر من النقد يشكل معول هدم يعمل على إلغاء المنجز الجيد الذي قد يمتلكه الفرد، وبالتالي ما لدى الوطن؛ فالمجتمعات التي يسود فيها هذا النوع من النقد تستوطن فيها ثقافة الهدم لا تستطيع التقدم للأمام بل من المؤكد أنها سوف تتراجع وتفقد ما لديها من منجزات. تلك مقدمة ضرورية ليتبين لنا خطورة الحالة النقدية السلبية التي نعيشها للأسف في بلادنا والتي أثرت على الجميع ولم تقف عند عامة الناس، بل سيطرت على كثير من النخب العلمية والثقافية والإعلامية ومنهم كاتب هذه السطور. خلال مشاركتي في افتتاح معرض أنوار الحكمة الذي أقامة كرسي حوار الحضارات في جامعة السوربون في باريس والذي يمثل شكلاً من أشكال التعاون السعودي الفرنسي الذي تشرفت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتمثيل الجانب العلمي السعودي، وأنا احد أعضاء الهيئة العلمية للكرسي، إضافة لزميلين من خيرة أساتذة الجامعة؛ فما رأيته من اهتمام الجامعات الفرنسية وفي مقدمتها جامعة السوربون العريقة (عمرها 700 سنة) بنهضتنا العلمية وما لدينا من منجز علمي وعمل مؤسسي مميز برزت فيه جهود متواصلة مثمرة من وزارة التعليم العالي بدعم وتعاون من وزارة الخارجية تحقيقا لتطلعات ولاة أمرنا، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز وسمو النائب الثاني -حفظهم الله ووفقهم لكل ما فيه خير هذا الوطن-. إن ما سمعته ولمسته من العديد من القيادات العلمية ومن أعضاء هيئة التدريس في عدد من الجامعات الفرنسية من تقدير لنهضتنا العلمية الحديثة، وهو تقييم يقوم على بحث واستقصاء علمي مدروس وعلى مشاهدات حية من خلال زيارات منتظمة وشراكات علمية حقيقية مع العديد من الجامعات السعودية منها جامعة الإمام وجامعة نورة وجامعة حائل، وتميز علمي لممثلي الوطن من شبابنا المبتعثين إلى فرنسا. رؤية لمنجزنا تختلف عن رؤية كثير منّا، رؤية صادرة من مؤسسات علمية تمثل عراقة المعرفة العلمية الحديثة، مؤسسات تقيم تعاملاتها العلمية على أساس العائد المعرفي لا العائد المادي، فرنسا من الأمم التي تقوم فلسفة التعليم فيها على أن التعليم حق للجميع؛ لذلك من حق المواطن والمقيم الحصول عليه بالمجان، المؤسسات العلمية الفرنسية أقامت عراقتها العلمية على تلك الفلسفة؛ لذلك أنا مطمئن لبواعث تقييمهم للنهضة العلمية للمملكة، ومن هنا جاءت هذه الدهشة ومنها تنبهت كما تنبه غيري لخطورة ما يحاول البعض أن يأخذنا إليه من فقدان للثقة وفقدان للأمل ومن ثم للطموح، وبالتالي الرغبة في مواصلة بناء بلدنا والبقاء فيه؛ فهل ندرك خطورة ما نحن عليه من رؤية نقدية فنعمل بكل جد وصبر ومثابرة على تحويلها إلى الحالة النقدية الإيجابية التي سوف تؤدي بنا إلى مزيد من البناء والنماء والتقدم والازدهار بمشيئة الله، هذا ما نتمناه جميعا ونرجوه. * عميد كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام