على الرغم من احتياج المجتمع إلى الكثير من الأعمال التطوعية في بعض المشروعات الحيوية، إلاّ أن هذا الجانب لم يدخل بفكر جديد في المؤسسات التعليمية، حيث لم تتعد"حصص النشاط"، كونها حصص"فراغ" و"شخبطة"، وربما كانت إضافية لأي معلم أو معلمة تغيبوا عن المدرسة، لتصبح النتيجة عدم تعميق مفهوم العمل التطوعي، والتأثير سلباً على المجتمع الخارجي. ويفتقد النشاط التطوعي إلى الهوية داخل المدارس، مما تسبّب في غياب بعض المهارات الإيجابية كالإسهام في تنظيف المساجد، أو الرسم على الجدران بشكل إبداعي جميل، أو المشاركة في زرع الزهور في الشوارع العامة، فلماذا لا نجد تطوعاً ينطلق من المدارس؟، وهل "رائد النشاط" معد بشكل جيد وحقيقي لأن يقود أفكارا حقيقية تسهم في خدمة وبناء المجتمع؟. وتُساهم الأعمال التطوعية في نشر روح التعاون والتكاتف والاعتماد على الذات وحب الخير بين أفراد المجتمع وعدم الاتكالية، كذلك تُسهم في تعميق ثقافة التواضع وحُب المهن، إلى جانب نشر الإحساس والشعور بالآخرين، وإشاعة المودة والتعاون، إضافةً إلى تنمية المهارات إلى الأفضل، مما يتطلب إيجاد حوافز معقولة سواء كانت مادية أو معنوية، كأن تعطي الجهات المُتطوعة أو من ساهم فيها مبالغ مادية بسيطة، أو حوافز معنوية تتمثل في خطابات شكر، أو إقامة احتفالات صغيرة تشيد بذلك الجهد. ويُعد "رائد النشاط" داخل المدارس من أهم الأدوات التي من الممكن أن تُساهم في الأعمال التطوعية، وهنا لابد أن يتم اختياره على ما يملكه من مهارة وخبرة، مما يُساعد على الإفادة من الطلاب في الأعمال الإيجابية، كذلك لابد من تقديم منهج يلبي النشاط المتجدد، ويلبي احتياج الناس، وليس النشاط الروتيني الذي يتحوّل إلى حصة فراغ وفوضى وأفكار مكررة ومستهلكة. تنمية المهارات وقال "د.نوح بن يحيى الشهري"رئيس قسم المهارات والاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة: إن العمل التطوعي هو مهارات وسلوك يجب غرسها في نفوس الأبناء من عدة جهات، أولها الأسرة، مضيفاً أن الدين الحنيف حث على الكثير من الأعمال التطوعية مثل "إماطة الأذى عن الطريق صدقة"، و"تبسمك في وجه أخيك صدقة"، وغيرها من الأعمال التي حث عليها الإسلام، مؤكداً على أن للمدرسة دوراً كبيراً، ومن ضمن مهامها التربية على القيم والمبادئ النبيلة وعلى خدمة المجتمع، وكذلك غرس العمل التطوعي في نفوس الطلاب من خلال المناهج وتدعيمها بممارسات أو آليات، مُشدداً على أهمية أن يكون هناك "قدوات" في المدارس، سواء كان على مستوى المعلمين أو إدارات المدارس، مؤكداً على أهمية الإعلام، الذي لابد أن يسهم في نشر ثقافة العمل التطوعي لدى الجيل والشباب، مع إبراز النماذج الناجحة، وكذلك إيضاح جهود المؤسسات والمجموعات التطوعية، حتى يكون لدينا مساحة لثقافة تطوعية داخل المجتمع. وشدّد على أهمية تنمية المهارات لدى الشباب والأبناء في العمل التطوعي، حيث إن هناك مهارات مهمة نحتاج غرسها في نفوس الأبناء لكي يكونوا ممارسين للعمل التطوعي بجودة عالية، مثل مهارات الاتصال، والحوار، والقيادة، والعمل بروح الفريق، وكذلك العمل الجماعي، وإدارة الوقت وغيرها. روح التعاون وأرجع "د.عبدالله الحمود" -مستشار نفسي وإداري وخبير تدريب برامج التنمية البشرية- السبب الرئيس في عدم انتشار النشاط والانتفاع من طاقات الطلاب والطالبات في المراحل التعليمية إلى عدم تركيز الإعلام على هذا النشاط، مضيفاً: "نحتاج لإعلام يظهر النشاطات ويعطي دافعاً للآخرين أن يفعلوا العمل الجيد، كما أننا نحتاج إلى تبني جهة حكومية لهذا النشاط، وحتى يكون له صفة رسمية، بحيث لا تعاقب أي لجنة حينما تعمل نشاط معين، فقط يكون هناك سماح من تلك الجهة بأن هذا العمل مُرخّص، ومن يعمله يخدم المجتمع"، مبيناً أن الأعمال التطوعية في المجتمع تنشر روح التعاون والتكاتف والاعتماد على الذات وحب الخير للآخرين، كذلك تنشر عدم الإتكالية، وتُسهم في تعميق ثقافة التواضع وحُب المهن، إلى جانب نشر الإحساس والشعور بالآخرين، وإشاعة المودة والتعاون بين أفراد المجتمع، إضافةً إلى تنمية المهارات إلى الأفضل. ونصح أن يكون هذا العمل مقنن ويوضع له حوافز وتشجيعات معقولة سواء كانت حوافز مادية أو معنوية، كأن تعطي الجهات مبالغ مادية بسيطة، أو حوافز معنوية تتمثل في خطابات الشكر وإقامة احتفالات صغيرة تشيد بذلك الجهد. تطوير الأدوات وشدّد "د.الحمود" على ضرورة الاختيار المناسب لمعلم النشاط في المدارس -رائد النشاط-، مع تقديم المنهج المناسب الذي يلبي النشاط المتجدد، ويلبي احتياج الناس، وليس النشاط الروتيني الذي يحول من النشاط إلى حصة فراغ وفوضى وأفكار مكررة ومستهلكة، مؤكداً على ضرورة تطوير معلم النشاط أدواته، وأن يُعطى دورات كثيرة حول ما يجب ممارسته وما لا يجب، مع إعطاء العمل التطوعي أهمية كبيرة، مبيناً أنه من المهم إتاحة معلم النشاط مجالاً للإبداع والخيال، فالمبدع قد يظهر من خلال أنشطة مدرسية، كذلك هناك من برع في الخط، وهناك من برع في الرسم أو فن صبغ الجدران، مشيراً إلى أهمية التنسيق مع مراكز الأحياء والجمعيات الخيرية التي تخدم أُسر معينة، حتى يستفاد منهم على غرار ما فعلته مديرة مدرسة حينما صبغت بيت أسرة فقيرة من خلال مجموعة من المتطوعين من الطلاب في المدارس. وأضاف: هناك طاقات مبدعة لم تجد من يُشجّعها، ذاكراً أنه من الأخطاء تكثيف الترفيه لدى الطلاب بشكل أصبح مبالغ فيه، وهو ما يُجمّد الطاقات ويحوّل الشخص إلى فرد لا يُعتمد عليه. نقص التنظيم وقال "د.حسن الذبياني" -أستاذ التنمية الاجتماعية بجامعة طيبة-: إن الإشكالية الكبيرة في نوع ثقافة التطوع داخل المجتمع، فحينما نتحدث عن ثقافة التطوع في المدارس وتعاطي بعض الحصص للنشاط، فإننا نتحدث عمن يُدرّس هذه الحصص، ذاكراً أنه كثيراً ما يكون هناك شخص غير متشرب لعملية النشاط والتطوع، وذلك يعود إلى أن التطوع ليس جزءا من ثقافة المجتمع، فالطالب لم يرتبط بها، حتى نحن كمجتمع لم نصل بعد إلى ثقافة التطوع الحقيقي، وذلك لأن لدينا نقصا في التنظيم الذي يعتمد عليه هدف التطوع المنشود، مبيناً أن الدعم المادي الجيد الذي يحفز الطالب والمعلم على التطوع غير موجود، كذلك تقبل المجتمع للتطوع غير موجود، فالمجتمع قد يأخذ ذلك التطوع على محمل الاستهتار والسخرية من بعض الجهات، مُشدداً على أنه مهما كان صغيراً لابد أن يُقدّر، لكن بشكل عام ليس هناك تقدير؛ لأن البعض لا يقدر مثل تلك الأعمال التطوعية إلاّ حينما يكون جزءاً منها، ولكن حينما لا يكون كذلك فإنه يراه غير مهم!. وأضاف: أغفل الإعلام التطوع على الرغم من وجود أعمال كثيرة، مؤكداً على أنه لو أعطى اهتماماً للتطوع لوصل إلى مستويات جيدة، لافتاً إلى أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت، مع عمل مؤسسات تطوعية داخل القطاعات الحكومية وخارجها؛ لأن هناك مؤسسات تدعم الأعمال التطوعية فقط داخل القطاعات الحكومية!. دعم مادي وأكد "د.الذبياني" أن رائد النشاط حينما يتحدث عن النشاط لابد أن يكون لديه وعي بجوانبه، ولابد أن يكون لديه علاقات خارجية، فليس أي شخص قادر على أن يقود التطوع، مضيفاً أنه لابد من وجود خطة جيدة للتطوع، ولابد أن يكون لديه دعم مادي حتى ينجح مشروع التطوع، كذلك لابد أن يتم اختياره بعناية وبمميزات محددة، مبيناً أن حصص النشاط في أمريكيا أو بريطانيا لها بُعد مختلف، حيث نجد بأن حصص النشاط لها خطط تطوعية، أما لدينا فهي إنما لمضيعة الوقت، مشيراً إلى أنه عندما نسأل الأبناء ماذا فعلتم بحصص النشاط يقولون: "نلعب ونكتب بالسبورة". «رائد النشاط» يمثّل «عصب التغيير» لسلوك الطلاب واستثمار إمكاناتهم ومهاراتهم لخدمة المجتمع وأضاف: في بريطانيا يتناولون في حصص النشاط الحديث عن فصل الخريف، ويخرج الطلاب إلى الحديقة ليتلمسوا أوراق الخريف ويقفون على هذه الظاهرة الجميلة، مع محاولة الاندماج النفسي والعاطفي مع شكل الأوراق الصفراء والتفاعل مع معانيها ومنظرها على داخل الروح، ذاكراً أن ثقافة المجتمع لها تأثير كبير على تحديد هوية حصص النشاط. ابتدائية الطبري وقد وقفت "الرياض" على تجربة حية أثناء إعداد التحقيق؛ تمثّلت بمشاركة عدد من الطلاب في تنظيف أحد المساجد، وتهيئته للمصلين، والوقوف على احتياجاته، حيث حصدت هذه التجربة سلوكاً وتفاعلاً مميزاً؛ نتج عنه غرس مبادئ العمل، وتحمل المسؤولية، وقيمة التعاون المثمر بين الجميع. وقال الأستاذ "محمد الخواجي" -مدير ابتدائية الطبري- إن العمل التطوعي يرسم ملامح الإبداع في شخصية الطالب، ويعزز سلوك تحمل المسؤولية في تصرفاته، مطالباً المدارس بتفعيل دور العمل التطوعي؛ ليستشعر الطالب دوره في خدمة مجتمعه. وأضاف أن تجربة ابتدائية الطبري مع العمل التطوعي في تنظيف أحد المساجد القريبة من المدرسة نجحت في غرس قيمة العمل لخدمة الآخر، وتلمس احتياجاته، مشيراً إلى أن المدرسة ماضية في هذا النهج من خلال برامج عمل مستقبلية مع المرضى والمحتاجين والاهتمام بالمرافق العامة، والحفاظ على البيئة، مطالباً برفع مستوى المشاركة من خلال التنوع كماً وكيفاً، ودعم العمل التطوعي في المدارس من قبل المسؤولين. وعلّق الأستاذ "أحمد بن عبدالرحمن الصويلح" -رائد النشاط بابتدائية الطبري- على تجربة العمل التطوعي في المدرسة، قائلاً: "تشكّل البيئة المدرسية مناخاً ملائماً للعمل التطوعي؛ فالطالب من خلال علاقته بمعلمه المميزة يكون مهيئاً للمشاركة في الأعمال التطوعية لخدمة المجتمع"، مؤكداً على أن غرس مفهوم العمل التطوعي في نفوس وسلوكيات الطالب يصنع لنا -بإذن الله- جيلاً واعياً ومحركاً للأعمال الإنسانية التي بفضل الله أصبحت مملكتنا رائدة وانموذجاً يقدم للعالم أجمع، وهي ترسم أسمى وأرقى المعاني الإنسانية في تقديم الأعمال التطوعية. وأضاف:"من هذا المنطلق تكون المدرسة هي نقطة البداية في غرس وتنشئة هذا المفهوم، وتنويع تلك المساهمات في جميع مناحي حياتنا اليومية؛ مما يجعل العمل التطوعي شعاراً لمجتمع مترابط متماسك يساهم في حل كثير من المشكلات التي تواجه المجتمع"، مطالباً المدارس بتنمية العمل التطوعي في نشاطاتها الطلابية؛ لأنها ستغرس في نفوس طلابها بذرة العمل الخيري، ورفض الكسل ونمو المساهمة في بناء مجتمع متماسك، كما ستحصد حب المجتمع لبعضه واحساسه بأن الجميع متعاونون ومتكاتفون. فريق العمل التطوعي في ابتدائية الطبري بعد انتهاء مهمتهم د. نوح الشهري د. عبدالله الحمود د. حسن الذبياني محمد الخواجي أحمد الصويلح