لماذا عندما نسمع بأرقام كبيرة نبحث عن حلول للفقراء؟ ونتحدث عن مستحقي الضمان؟ ثم ننتقل الى مشكلة السكن، فالبطالة، وهكذا؟ طرحت هذه الاسئلة بعد خروج أرقام ايرادات مصلحة الزكاة والدخل من الزكاة وإيرادات الضريبة على شركات النفط والغاز وغيرها والتي تجاوزت 776 مليار ريال لسنة 2012. وحسب الانطباع الشخصي لكل كاتب أو متابع فهم من أن هذه الارقام تضاف الى ارصدة المصلحة وتظل حبيسة لديهم بدون الاستفادة منها. والحقيقة أن كل المبالغ التي ترد كإيراد لمصلحة الزكاة والدخل – ماعدا الزكاة الشرعية- تذهب الى خزينة وزارة المالية في مؤسسة النقد العربي السعودي، وهذا الاجراء يتبع لكل المؤسسات والهيئات الحكومية التي تحصل على ايرادات من الرسوم او الضرائب مثل رسوم الجوازات والضرائب الجمركية والمخالفات المرورية ثم تحول الى وزارة المالية التي تعيد انفاقها عن طريق الموازنة العامة للدولة على بنود عدة هي الاجور والصيانة والتشغيل والمشاريع الاستثمارية في البنية التختية والخدمات والاعانات والمساعدات المالية وقروض الصناديق الحكومية مثل الصندوق العقاري والصناعي والزراعي والتسليف والادخار. كما ينفق جزء من الموازنة على برامج الفقر واعانات البطالة والاسكان والذي خصص للاخير 250 مليار ريال في 2011. في سنة 2012، وهي السنة التي بلغت ايردات مصلحة الزكاة والدخل 776 مليار ريال، وصلت المصروفات الفعلية للحكومة 1.239 ترليون ريال وهي أعلى بنسبة 60% من ايرادات المصلحة، بمعنى أن 40% من ايرادات الدولة الاخرى تقريبا جاءت من مصادر أخرى مثل الجمارك والرسوم وايرادات النفط والغاز والاستثمار وغيرها من المصادر، مع العلم أن 85% من ايرادات المصلحة هي نتيجة ضريبة مباشرة على ايرادات أرامكو من بيع النفط. وهذه الايردات الحكومية يعاد صرف جزء كبير منها على أوجه الانفاق التي تحدثنا عنها حيث بلغ مجمل النفقات في 2012 مبلغ 853 مليار ريال، ذهب الى قطاع التعليم 204 مليارات ريال وخصص لقطاع الصحة والشؤون الاجتماعية 100 مليار ريال، وأكثر من 300 مليار للمرتبات والأجور. هذه البنود الثلاثة فقط استحوذت تقريبا على مجمل الايردات الضريبة لمصلحة الزكاة والدخل. والمتتبع لاهداف أية سياسات انفاق حكومية، سواء للمملكة أو غيرها من الدول، يجد أن هدفها الرئيسي معالجة الخلل في الاقتصاد والمجتمع مثل الفقر والبطالة ومشاريع البنية التحتية والخدمية. إن مشكلتنا مع الارقام ليس حجمها أو مصدرها، انما في فهمها وفهم أوجه الانفاق الصحيح ومدى تأثيره على شرائح المجتمع وقطاعات التنمية المختلفة. إن مشكلتنا مع الأرقام أيضا هي مشكلة الافصاح والشفافية التي يجب أن تصاحب الاعلان عن تلك الارقام حتى يمكن أن يتم استيعابها والتفاعل معها بالشكل الصحيح سواء من المهتمين أو غير المهتمين من المواطنين. ذلك أنه عندما تعلن مثل هذه الارقام من مصادر ثانوية أو في خبر مختصر فإنها تحدث المفاجأة وتجبر الكثير عن الحديث عنها ووضع الاسئلة والسناريوهات التي تناسب فهمه أو حتى خيالاته والتي قد يكون معذورا فيها عند نقص المعلومة والآليات المناسبة لنشرها. إننا نعيش مرحلة افصاح وشفافية تتطلب منا التعامل مع ارقام الاقتصاد بحرفية أعلى وأدق خصوصا وأن تعدد مصادر المعلومات ووسائل نشرها أصبح خارج سيطرة الحكومات. إن هذه الحقيقة تتطلب أن تلعب الحكومة دور قيادة الوعي بالنشر الصحيح والشفاف لبياناتها الاقتصادية حتى يمكن الاستفادة منها حسب الاهداف المخطط لها.