برع مزارعو منطقة القصيم في حفظ التمور وتخزينها، كونها من أهم المنتجات الزراعية التي تشتهر بها المنطقة، وجاءت ما عرفت ب"الجصّة" ابتكاراً مثالياً استطاعوا من خلاله حفظ التمور لفترات طويلة. و"الجصّة" بتشديد (الصاد) بناء صغير يقارب ارتفاعه المترين وبعرض المتر تقريباً، وله باب صغير في مقدمته وفتحة صغيرة بأسفله، يسيل من خلالها (الدبْس) السائل الذي يفرزه التمر الشبيه بالعسل طعماً ولوناً، والناتج من تراكم التمر الرطب داخل الجصة. غياب وسائل التبريد الضامنة لحفظ التمور أجبر مزارعي القصيم على ابتكار "الجصّة"، فهي تقي التمور من الشوائب التي تؤثر سلباً على جودته أو نضوجه. وفي حديث لحمود المرزوق البالغ من العمر 80 عاماً، استعرض طريقة بناء الجصة، مبيناً أن الطين هو المادة الأساسية في البناء، ثم تطلى من الداخل بالجص الأبيض لحفظ التمر من الضرر، مشيراً إلى أن ارتفاع "الجصّة" وعرضها يخضع في أحيان لكثرة أو قلة التمر، مفيدًا أن التمر يوضع في الجصّة بعد أن ينضج في مرحلة تأتي بعد موسم "الصرام". وأوضح أن التمر يوضع في "الجصّة" على دفعات حتى تمتلئ، ثم يرش بالماء ليسهل انسياب "الدبْس" من الفتحة الصغيرة الموجودة بأسفل "الجصّة"، ويكرر ذلك حتى يتشربه بالكامل، كما يستفاد منه لطلي جدار "الجصة" فيسهل من عملية استخراج التمر ويساعد في سد الفتحات والتشققات الممكن وجودها في جدران البناء. وقال إن مرحلة رص التمر تبدأ بوضع حصير فوقه داخل "الجصّة" ويرص بعدد من الأحجار، ومن ثم يحكم إغلاقها، ومتى ما احتاج صاحب المنزل أن يأكل منها تفتح وتغلق بإحكام. من جانبه أبان محمد الراشد أحد تجار التمور أن آلات رص التمور الحديثة والبرادات أغنتهم عن استعمال "الجصّة"، لاسيما مع كميات التمور المنتجة في الوقت الحاضر التي يتطلب حفظها وتخزينها مساحة أكبر من "الجصة"، مشيراً إلى أن عناية مصانع تعبئة وتغليف التمور بطرق التخزين، تضمن منتجا طوال العام بجودة عالية. فيما لا يزال المزارع سليمان المبارك يحرص على استخدام "الجصّة"، كغيره من المزارعين القدامى ، على الرغم من أن الوقت الحاضر يعج بالمصانع المهتمة بتخزين وحفظ التمور بالطرق الحديثة، لتحقيق الجودة العالية والربح الأكبر من بيع منتجات النخيل من الرطب أو التمور.