في بداية ما أود التحدث عنه بلسان غلب على الفاظه الشعور بالفاجعة والالم على رحيل رجل أجمع وراهن عليه جميع فئات وطبقات المجتمع السعودي على حبه وتأييده منذ قيادته للحكم السعودي على ارض الجزيرة وذلك منذ ما يزيد على العقدين من الزمن كونه من اعظم دهاة القرن العشرين في عصره. ففي بداية خوضه للحياة السياسية وعند توليه لمقاليد الحكم كملك للمملكة العربية السعودية لم يتجه لتوضيح سياساته وتوجهاته تجاه قضايا العالم الخارجي، بل فضل التوجه اولاً الى ابنائه واحبابه المبايعين له في وطنه مبدياً شعوره الصادق نحوهم، وفكره تجاه قضاياهم، وامره وتوجيهاته السديدة فيما يتعلق بسياسته التنموية بدءاً بالبنى التحتية للمشاريع الوطنية العملاقة ووصولاً للأهداف السامية المنشودة من وراء ذلك، أي انه بدأ بالتعريف بسياسته الداخلية مهتماً بل وفي قمة اولوياته لتكون هي المدخل ليعرف العالم وزعماؤه من هو فهد بن عبدالعزيز كملك للمملكة العربية السعودية في خطوة مدروسة ومثيرة للاهتمام. فشعوره النابع من قلب اتسم بأوسمة عديدة نذكر منها: 1- شعور العاطفة المتدفقة باخلاص ونقاء قوة وكأنها ذلك السيل القادم من أعالي سفوح الجبال مبشراً بقدوم الخير ليحط ببركته على ارض البركات والخيرات، فعاطفة مليكنا المفدى غمرتنا فتحسسنا وعرفنا مدى تأثيرها من الاب الذي ما غفلت عينه عنا، ولم يهدأ قلبه الدافئ الآمن في وصف ذلك الشعور الممتلئ بالجمال الرباني والواضح على اسارير وجهه المشرق والمعبر عن كل ذلك واكثر. 2- شعور المساواة والحب النابع من رجل آخى ولم يفرق وجمع ولم يشتت، فاجتهد في سن الضوابط بما يتماشى مع النظام فيما يتعلق بالشؤون الادارية والتنظيمية وفي ظل التقدم الملموس على ارض الواقع كانت اجتهاداته تلك هي السبب في خلق نوع من الفهم والتفهم لما يحدث فما كان من شعبه إلا ان زادهم ذلك تأيداً ورضا وثقة على كل ما يفعل ويقول، فكانت لتلك الظروف وغيرها ان أوجدت جواً عاماً مليئاً بالحب والاحترام والوفاء والطاعة له ولقيادته الرشيدة. 3- شعور الاهتمام والتواصل منه شخصياً بما لذلك الشعور الخاص من معاني تفرد بها عن غيره فكان للتواصل والاهتمام في اعتقاده ترابط لا من حيث المعنى والمفهوم بل في صلب حياته وانجازاته، فكان اهتمامه بالعلم والتعليم بترؤسه اول وزارة في هذا الشأن بما يعرف سابقاً بوزارة المعارف فبدى جلياً عليه مدى قوته في محاربة الجهل واصراره على نزع الامية من تاريخ بداية التعليم في المملكة وحتى ما وصلنا اليه حالياً من تنافس وعزيمة قوية بين ابنائه في التفوق والحصول على أعلى الدرجات والمراتب التعليمية، فكان لاهتمامه في البداية وهو وزير تواصله في الاستمرار بما يحقق تأملاته وطموحاته لأن يكون المتعلم والمثقف وهو الصورة الحقيقية لتوجهاته الصادقة في نمو المجتمع فكرياً وادبياً منافساً في المحافل والمشاركات الدولية. ولفكره المبني على التخطيط السليم والتوافق الابداعي والرؤية المنطوية على المدى البعيد في جميع مناحي الحياة العامة. فالتقاليد العربية السعودية وسام فخر لكل سعودي رغم جميع التحديات والتي تحاول التغير الطفيف في البداية بما يتوافق والتقدم الحضاري المزعوم بزعم من يتبنون ذلك الاتجاه والذي اذا دققنا في اهدافه وجدنا ان النهاية في طمس وتغير فلسفة عاداتنا وتقاليدنا على حساب تاريخنا وثقافتنا المعاصرة، ومع تلك التحديات المتزايدة ظهر ذلك الفكر المتحرر المواجه، فكانت قيادته وحكمته هي السبيل لخلط الاوراق لينقلب السحر على الساحر معتصماً بربه وسنة رسوله المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم، فتمسك كغيره من اسلافه بالشريعة الاسلامية كدستور للامة وكقوة جامحة ليس لأحد في هذا العالم أي قوة مضادة لصدها ونفيها بل وانضمت الصفوف والقوى المؤيدة في العالم الى تلك القوة، ولا ننسى ان وجود الحرمين الشريفين في كنف هذه الدولة واهتمامه بخدمة الحرمين حتى اصبح كمسمى تعريفي لجلاته ما اضاف لتلك القوة ما يزيدها ويحميها ان شاء الله. أما بالنسبة الى المدخل الآخر من حياته السياسية وهي ما يتعلق بالخارجية منها فنصور هنا ابرز ملامح تلك السياسة والمبنية على شخصيته القيادية القوية وحنكته السياسية المتميزة والهادفة للحل والصلح في جانب وفرض القوة الاقتصادية المحلية من جانب آخر، لتكون لهذه الحنكة ما يفوقها من الاهمية والحاجة الماسة اليها. كتصوره في انهاء الحرب الاهلية اللبنانية الشائكة بين العواصف ما أدى الى التوصل لتوافق لبناني في اتفاق الطائف الشهير، بغية حقن الدماء السائلة منذ بداية الحرب الاهلية هناك فكان لرؤيته ان اصبحت هي النهاية لتلك الحرب. وكمثل القضية اللبنانية كانت القضايا العربية الاخرى في هذا الشأن، استدعت منه دخول ميزان العقل وحكمته في قياس تلك الامور بمقياس المحافظة على المصالح العليا للشعوب تمثلت في دعمه المادي والمعنوي رغم كل الظروف المنددة والمؤيدة لذلك الدعم بما يتوافق مع الرؤية المستقبلية الهادفة للتقدم والازدهار للجميع. وفي النهاية أردنا من تلك الصورة البسيطة من حياته ان نصور ونرسم اجمل لوحة عرفتها الامة عنه من اخلاص ومحبة. وان نسجل ونحفظ ابرز انجازاته لتكون جزءاً من تاريخنا وحضارتنا وتقدمنا. بل ونهتم ونبحث كي نكتب ونبرز ليعرف القاصي والداني ما نحن بصدد الاهتمام به، وانه مليكنا الفهد، انه الفهد للجزيرة العربية، وانه الفهد للامة العربية، وانه ومن اجله اجتهدت قلوبنا وجلة ومضطربة، وعقولنا مشغولة ومفكرة، والسنتنا ناطقة باسمه داعينا الرب عز وجل ان يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته {إنا لله وإنا إليه راجعون}.