التقيتها بعد أكثر من عشرة أعوام من زواجها وقد فارقت ابتسامتها وجهاً كان ينبض بالحياة، وتحتفظ في حقيبتها اليدوية ببطاقة مواعيد طويلة لطبيب نفسي تقول انها معجبة به بعد فترة علاج طويلة..!! كيف وقعت في قصة حب مع رجل غريب بينما يحيطها أطفالها الأربعة من كل جانب..!! وكيف تقع في حب جديد ولا تزال صورتها القديمة في ذهني تتأجج فرحاً بزوجها يوم كان خطيباً لها..؟؟! أبهذه السهولة تبدل المرأة حبها..؟! تزوجته طائعة قانعة فحين قالوا لها نشأ يتيماً قالت لعلي أكون أمه وأباه وجميع أهله وحين قالوا لها لا يملك الأصحاب ولا الأحباب ولا حتى العشيرة اعتقد عقلها الصغير الذي لم يبلغ بعد سن الرشد أنها ستكون أصحابه وأحبابه وعشيرته التي تؤويه..! شكله مهذب وهندامه معقول وصمته مطبق.. وهل يدل الصمت إلا عن حكمة وعقل..! هكذا تعلمت في مدرستها أن الصمت حكمة وأنه من ذهب..! حين شكت لوالديها قسوته ولا مبالاته المميتة نصحوها بإنجاب الأطفال الذين بسحر براءتهم يصنعون المعجزات ويبدلون الاتجاهات.. وحين بكت من جلافته وجهله اتهموها بالاستعجال والغباء... أما حين استنجت بهما وعلى كتفها رضيع لم يحظ يوماً بحنان أبيه وبجانبها صغير لم يبلغ الحلم قالوا لها لقد فات الأوان «أجرك بعيالك»..! عاشت سنواتها معه تتجرع ألم الجفاء ومرارة الحرمان.. رحمت يتمه وحياته التي عاشها قاسية ونسيت أن فاقد الشيء لا يعطيه، أرادت أن تكون أهله وأحبابه ولم تع أنه اعتاد حياة الجفوة وسقيت عروقه منها، ابتهجت حين قال لها يوماً أنه بلا ماض فاكتشفت انها تعاشر مستنقعاً من الفضلات..! ولم يبق لها سوى نظرات تلك العيون البريئة والتي كانت هي السبب بعد الله بوجودها على وجه الحياة.. وبعد سنوات استسلمت ولم تعد تنبس بكلمة تدفعه نحوها.. فأيقنت أنه قدرها البائس لا محالة، سكنت جوارحها عن أي اجتهادات عاطفية تجاه تمثال الجمود الذي تضاعف حجمه حين شاركها معاناتها كائنات مكرمة بريئة لا ذنب لها.. وحين اكتشفت ان الجفاف وصل شريان عقلها وبدأت تتهادى كلماتها وتنحني كل رغباتها تجاه الحياة ولم تجد من يسمع آلامها بأذن واعية.. خافت أن تنتهي قبل أن تكمل رسالتها مع ابنائها فقررت اللجوء لأصحاب الاختصاص ليس من أجل ايجاد حل فهي تدرك أن ثمة هموماً لا حلول لها ولكن من أجل أن تحظى بعقل واع يسمعها.. انتهت قصة واقعية تعيشها بعض نساء مجتمعنا ولكن لست أدرك تماماً نهايتها ولكنني أتألم كثيراً لوجودها وتكرارها بأشكال عديدة تتساوى في المعاناة وتختلف في التفاصيل.. وإن كنت أعلم أن كثيرين سوف يقفون عند مسألة حبها لذلك الطبيب والذي أرى أن صاحبة القصة مخدوعة في هذا الشعور حيث يميل دائماً الشخص المعاني إلى من يتعاطف معه إلا أنني أترك هذا التعليق جانباً فليس له أهمية في مقالي هذا. ما أود قوله لاسيما ونحن في موسم تزايد عقود النكاح وإقامة الأفراح أن تعي الزوجة الحديثة خطورة قراراتها ولا تمنح شرف الأبوة إلا لمن نجح وبتفوق في مسؤولياته الزوجية، حتى لا تتفاقم المشكلة ويشارك الفرد المعاني جمع من أصحاب المعاناة.. وبالرغم من أن هذه المشكلة قد تتواجد بشكل معكوس بمعنى أن يكون الرجل أو الزوج هو صاحب المأساة إلا أنني أخص النساء بالذكر كونهن الأضعف والأصعب من ناحية تكرار التجربة وهن صاحبات مسمى «مطلقات» بينما الرجل لا يمكن أن يطلق عليه أي نعت مزعج حتى وإن طلق عشرات المرات ولا ينقصه أن يبدأ متى أراد من جديد. وأقول لسيداتنا ان القرار السليم كي يكون سليماً يجب أن يكون في الوقت المناسب لأن الصبر ليس دائماً جميلاً.. [email protected]