يحلو للبعض بين الحين والآخر إستعادة شريط ذكريات طفولته وبدايات التحاقه بالمدرسة والأحداث التي مرت به، ويسترجع المرء حينها جانباً من تلك اللحظات الجميلة التي قضاها برفقة أقرانه في مراحل الطفولة والمراهقة والشباب إلى أن تمكن من شق طريقه للحياة؛ ليكون أحد الأفراد الفاعلين في المجتمع. ويختلف جيل الأمس عن جيل اليوم في طريقة الالتحاق بالمدرسة، فالوضع في بدايات القرن الماضي -على سبيل المثال- فيما يتعلَّق بطريقة التعليم وانتشار المدارس مغاير لما هو عليه الحال اليوم، ففي تلك الحقبة من الزمن لم يكن هناك وجود للمدارس النظاميَّة، حيث عرفت المملكة بدايات التعليم منذ زمن طويل، على الرغم من كونه تعليماً بدائياً بسيطاً وهو ما عُرف ب"الكتاتيب"، قبل أن تبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من التعليم النظامي الذي سرعان ما انتشر في كل مدينة وقرية وهجره. «الصولتية» أقدم مدرسة نظامية في الجزيرة العربية أسستها سيدة هندية بمكة.. و«الفلاح» بجدة حظيت بدعم خاص مدرسة الفلاح وقد أولى الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيَّب الله ثراه- التعليم عناية خاصة؛ فانتشرت في عهده المدارس، ولا أدل على ذلك من أنَّ جلالته حرص أثناء دخوله إلى مدينة "جدة" خلال مراحل التوحيد والبناء على زيارة "مدرسة الفلاح" التي تُعدُّ من أهم المرافق في "جدة" آنذاك؛ لما لها من دور كبير في مجال نشر العلم والمعرفة، وهي من أهم الجوانب التي كانت تهم موحد المملكة لبناء الدولة والاستثمار في أبنائها، وإخراجها من حالة الجهل الذي عاشته قبل التوحيد، وتأسيساً لذلك أمر بفرض رسم جمركي بنسبة (1%) على جميع الطرود الواردة إلى موانئ المملكة لصالح "مدارس الفلاح" التي مرّت في مرحلة من تاريخها بصعوبات مالية قاسية، وذلك بعد أن عانى مؤسسها من صعوبات في تجارته التي كان ينفق منها على المدرسة، وعُرف ذلك ب"مشروع القرش". احتفال أهل الرياض بعودة الملك عبدالعزيز من مصر تحول إلى مشروع المدرسة «التذكارية» ويُقدِّر البعض متوسط الوارد ل"مدارس الفلاح" سنوياً بنحو (1000,000) ريال، وبذلك فهي تُعتبر أوَّل مدرسة نظاميَّة على مستوى المملكة والانطلاقة الحقيقية للتعليم، وقد تمَّ افتتاح المدرسة فعلياً بجهود مضنية بذلها مؤسسها الشيخ "محمد علي زينل" في العام (1323ه) بعد أن حصل على تصريح من الحكومة العثمانية آنذاك بفتح المدرسة، في الوقت الذي كانت تزاول فيه قبل هذا التصريح مهام التدريس بغرفة في أحد منازل "جدة القديمة"، وكانت الدراسة تبدأ من صلاة المغرب إلى العشاء، حيث يتولى أحد المعلمين تعليم الطلاب القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة، وشكَّل هؤلاء الطلاب النواة الأولى لطلاب المدرسة فيما بعد. المعهد العلمي السعودي في مكةالمكرمة أوَّل مدرسة نظاميَّة عرفتها المملكة عام 1345ه وبعد أن حصل "محمد علي زينل" على التصريح اشترى مبنىً في الموقع الحالي للمدرسة بين "سوق البدو" و"باب مكة"، وقد أسماها "مدرسة الفلاح" من منطلق التفاؤل والتيمُّن بالفلاح المطلوب، وكان أوَّل مدير تولى إدارة "مدرسة الفلاح بجدة" عند إنشائها هو السيِّد "محمد حامد الحسيني"، وذلك من عام (1324- 1326ه). «مدرسة دار التوحيد» بمدينة الطائف صرفت مُخصَّص جيب لكل طالب مقداره (15) ريالاً المدرسة الصولتية وكانت "مكةالمكرمة" عرفت التعليم النظامي قبل ذلك الحين بكثير، إذ تأسست بها المدرسة "الصولتية" التي أسستها امرأة هندية اسمها "صولت النساء"، وذلك عندما قدمت إلى موسم حج عام (1289ه)، فأرادت حينها إنشاء رِباط فاستشارت الشيخ "محمد رحمة الله خليل العثماني" -رحمة الله- في ذلك؛ فبيَّن لها أنَّ "مكة" مليئة بالأربطة، ولكن ليس بها مدرسة يتعلم فيها أبناء المسلمين، فحبَّذت الفكرة وتبرعت بقسط وافر من مالها الخاص وثروتها الكبيرة لإبراز هذا المشروع الحيوي المفيد، وتم البدء بتشييد مبنى المدرسة، ووضعت أول لبنة في حي "الخندريسة" بحارة الباب جوار المسجد الحرام في عام (1290ه)، وفي 14شعبان من عام (1291ه) انتقل طلاب ومدرسو مدرسة الشيخ محمد -رحمة الله- إلى هذه البناية الجديدة، وتخليداً لذكرى هذه المرأة واعترافاً بجميلها أطلق الملك المؤسس اسم "الصولتيَّة" على هذه المدرسة الأولى في تاريخ "مكةالمكرمة" عموماً، حيث تعتبر أقدم مدرسة نظامية في الجزيرة العربية، وقد حظيت تلك المدرسة بزيارة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- في عام (1344ه)، واطَّلع على جهودها في نشر العلم والثقافة وتعليم الشباب. أشهر المعلمين: عثمان الصالح،حمد الجاسر،عبدالله السليم،محمد زينل،محمد رحمة الله العثماني،محمد النحاس المعهد العلمي لم تكن المملكة تعرف التعليم النظامي قبل ضم الملك عبدالعزيز الحجاز لملكه، فلم يكن هناك سوى أربع مدارس أهلية في "مكةالمكرمة"، وهذه المدارس، هي: "المدرسة الصولتية" و"المدرسة الفخرية العثمانية" و"مدرسة دار الفائزين" و"مدرسة دار الفلاح"، إلى جانب كتاتيب صغيرة أخرى، ونتيجةً لرغبة الملك عبدالعزيز إنشاء مؤسسة تعليمية حكومية نظامية في "الحجاز" وتطوير التعليم وتحديث مناهجه وإدخال العلوم الحديثة ضمن مقررات دراسية تحت إشراف معلمين أكفاء؛ نشأت فكرة تأسيس "المعهد العلمي السعودي" بهدف تخريج معلمين ذوي كفاءة علمية وتربوية؛ لمواجهة النقص الحاد في المعلمين، وهي العقبة التي واجهتها "مديريَّة المعارف العامة" عند بدء تكوينها في "الحجاز"، إلى جانب تزويد الإدارات الحكوميَّة بالموظفين المؤهلين، فافتُتح المعهد لأول مرة سنة (1345ه) الموافق (1927م)، ثمَّ توقف مؤقتاً بعد ذلك، وافتُتح في المرة الثانية في الثامن من شهر ربيع الأول عام (1347ه) الموافق (25) من أغسطس عام (1928م)، وبلغ عدد الطلبة في هذه الفترة أكثر من (90) طالباً. بدايات التعليم المحدودة لم تمنع جيل الأمس من اللحاق بموكب النور دار التوحيد وامتداداً لحرص الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه- وحبه لنشر التعليم في كافة مناطق المملكة، فقد أُسست "مدرسة دار التوحيد" في العام (1364ه) بمدينة "الطائف"، وتم ربطها بالشعبة السياسيَّة بالديوان الملكي لتحظى بمميزات ماديَّة ومعنويَّة تكون إغراءً لأولياء الأمور الذين لم يألفوا نظام المدارس في ذلك الوقت؛ إذ كانت الغالبيَّة العامة من أفراد المجتمع أُميُّون لا يعرفون القراءة ولا الكتابة ولا يرغبون أن يتعلموا دون مناهج توارثوها مشافهة عن آبائهم ومن سبقوهم، وحرصاً منهم على المحافظة على تقاليدهم المتوارثة، خضعت المكافأة التي تصرف للطلاب للزيادة والنقص ثمَّ الزيادة التدريجيَّة بحسب الإمكانات الاقتصاديَّة المُتاحة في تلك الفترة. طلاب ثانوية حوطة سدير عام 1400ه يتناولون الإفطار الجماعي وبُدئ بصرف "مُخصَّص جيب" لكل طالب مقداره (15) ريالاً، نمت مضاعفتها فيما بعد، إلى جانب صرف ملابس لكل طالب، واستمر ذلك سنتين إلى أن صدر الأمر الملكي بزيادة مُخصَّص الإعاشة لطلاب "الدار" إلى (100) ريال، وفي العام (1372ه) تمَّ تخصيص (140) ريالاً تُصرف سنوياً لكل طالب تحت مُسمَّى "بدل كسوة"، وكان عدد الطلاب في تلك الفترة 150 طالباً، وفي العام (1373ه) صدر الأمر الملكي القاضي بمساواة مكافأة طلبة "الدار" بزملائهم طلاب "المعهد الديني العلمي بالرياض" ومقدارها (230) ريالاً شهرياً تُصرف لكل طالب، ووصلت لاحقاً إلى (300) ريالاً لطالب المتوسطة و(375) ريالاً لطلاب القسم الثانوي، وكان يُصرف للطلاب المتفوّقين مُكافأة ماليَّة مُجزية تشجيعاً على التنافس الشريف من أجل التزود بالعلوم والمعارف، وكانت تُصرف رواتب الإجازة الصيفية للطلاب مقدماً، وبذلك فإنَّ "الدار" كانت تؤمِّن السكن والإعاشة للطلاب وتدفع مُخصَّصات شهريَّة لهم، وتزيد هذه المكافأة في حالة ما إذا كان الطالب متزوجاً. واجهة مدرسة الصولتية في مكة عام 1344ه المدرسة التذكاريَّة عرف أهالي "الرياض" -في فترة ما قبل التعليم النظامي- بعض الكتاتيب التي أُوجدت لتعليم الطلاب القراءة والكتابة فقط، حيث يبدأ الطلبة بتعلُّم حروف الهجاء وذلك بكتابتها على اللوح أو الرمل أمامهم، وفي حال إتقانها ينتقلون منها إلى غيرها ثمَّ من هذه المرحلة إلى أخرى، حيث يتعلَّمون كتابة الحروف المُشكَّلة، ووُجدت بعض المدارس التي كانت تُعلِّم التلاميذ مُقرَّرات مُحدَّدة في فترة ما قبل التعليم النظامي في "الرياض"، وشكَّلت هذه المدارس مرحلة الانتقال من عهد الكتاتيب وحِلَق المساجد إلى عهد التعليم النظامي الذي يتم في المدارس والجامعات. وثيقة عهده مدرسة أثيثية السعودية -170كلم غرب الرياض وعند الحديث عن تأسيس أوَّل مدرسة نظاميَّة في العاصمة "الرياض" لابُدَّ أن نُشير إلى قِصَّةٍ جميلةٍ تدُل على حُب جلالة الملك "عبدالعزيز" -طيب الله ثراه- للعلم وفضيلة نشر التعليم، وتتلَّخص القِصَّة أنَّه عندما عاد جلالته إلى "الرياض" بعد زيارةٍ رسميةٍ إلى "مصر"، عاد ليجد سُكَّان "الرياض" قد اجتمعوا وجمعوا مبالغ ماليَّة لتنظيم احتفال كان ابتهاجا بعودته إلى "الرياض"، فرفض جلالته التكريم وآثر على نفسه ووجَّه بإنفاق هذه المبالغ على افتتاح مدرسة لتعليم أبنائهم فاتجه أهل "الرياض" إلى ما وجههم إليه، وأنشأوا مبنىً للمدرسة على الضفة الشرقية لوادي "البطحاء" الممتد من جنوب "الرياض" إلى شماله، وكان هذا الوادي يُعرف قديماً ب "وادي الوتر"، وتمَّ افتتاحها في عام (1365ه). وكانت هذه المدرسة تُسمَّى في ذلك الوقت "المدرسة الأهليَّة" قبل أن يُطلِق الملك فيصل -رحمه الله- عليها اسم "المدرسة التذكاريَّة"، وهي تُعدُّ أوَّل مدرسة أميريَّة نظامية في "الرياض"، وفي عام (1374ه) زار خادم الحرمين الشريفين الملك "فهد بن عبدالعزيز" -رحمه الله- المدرسة، حينما كان وزيراً للمعارف، وبعد اطّلاعه على المبنى المُكوَّن من الطين والخشب وجَّه بهدم المبنى وتشييده من جديد بالحديد المسلح وانتقلت المدرسة إليه في عام (1380ه)، وفي العام (1384ه) أوفدت المدرسة مجموعةً من طلابها يرافقهم أحد الأساتذة إلى الملك "فيصل بن عبدالعزيز" -رحمه الله- في منزله بحيّ "المعذر" طالبين منه كلمةً افتتاحيَّة لمجلتها التي تعتزم إصدارها، وكان اسم المدرسة وقتها "المدرسة الأهلية" فوجههم الملك "فيصل" إلى أنَّ اسم المدرسة هو "التذكارية" فسُمّيت بهذا الاسم. مدرسة للبنات أنشأتها شركة أرامكو في المنطقة الشرقية قبل 65 عاماً التحوُّل من الكتاتيب كانت بداية التعليم عن طريق الكتاتيب المنتشرة في كل مدينة وقرية كما أسلفنا، وكانت بدايات التعليم محصورةً في تعليم وتحفيظ القرآن الكريم وتعلُّم الكتابة والقراءة وعلوم الدين، وكان هناك من يُواصل تعليمه في كتب النحو والأدب والفقه على أيد المشايخ في المساجد وحِلَق العلم فيها، وبعد ذلك انتشر التعليم النظامي بجهود الدولة -رعاها الله- ليشمل كل مدينة وقرية وهجرة، إذ بلغ عدد المدارس حتَّى يومنا هذا ما يزيد على (32869) مدرسة للبنين والبنات. أشهر المعلمين حظي التعليم منذ القِدَم بمُعلِّمين أَكْفاء أثروا العمليَّة التعليميَّة والتربويَّة بنتاجهم وخرَّجوا أجيالاً من الشباب أصبحوا فيما بعد يُديرون تنمية الوطن، فصار منهم الوزراء والمسؤولين في العديد من قطاعات الدولة، ويصعب في هذه العجالة حصر أسمائهم، بيد أنَّنا نُورِدُ هنا أبرز هؤلاء، ومنهم: "عثمان الصالح، حمد الجاسر، عبدالله بن ابراهيم السليم، محمد علي زينل، محمد رحمت الله العثماني، محمد بن علي النحاس، محمد بن عبدالعزيز بن مانع"، وغيرهم الكثير الذين لا يتسع المجال لذكرهم. مرحلة الكتاتيب انتهت إلى التعليم النظامي المجاني المناهج قديماً كانت المناهج في بداية تطبيق التعليم النظامي بسيطةً وغير مُعقَّدة وتُركِّز على الجانب الديني وتحفيظ القرآن الكريم وقواعد اللغة العربية، إلى جانب مواد العلوم والرياضيات، كما تمَّ فيما بعد إدراج اللغة الانجليزية في المدارس بدءاً من المرحلة الثانوية ثمَّ المتوسطة وأخيراً في المرحلة الابتدائية، وكانت المناهج على بساطتها قيِّمة وزاخرة بعلوم المعرفة المختلفة، وهي مواد دسمة لطالبي العلم ينهلون عبرها العلم من أمهات الكتب، وكان خريجي المرحلة الابتدائية في ذلك الوقت أفضل من بعض خرِّيجي المرحلة الثانوية في زماننا هذا، ولا أدلَّ من على ذلك من أنَّ خرِّيجي المرحلة الابتدائية حال تخرجهم يُسند إليهم مهمَّة التعليم في المدارس الابتدائيَّة فأبدعوا في التدريس وتتلمذ على أيديهم كبار المسؤولين فيما بعد، كما كان الطلاب في الماضي يهتمون بالدراسة والتعليم ويُفرِّغون أوقاتهم في طلب العلم بعيداً عن الكسل والركون الى الراحة، وكم شهدت العديد من المدارس انخراط عدد من العاملين فيها بالدراسة، فكم من فرَّاش مدرسة كبير في السن والتحق بالتعليم مع الطلاب الصغار وتخرَّج من المدرسة وعمل فيما بعد مدرساً فيها ليُحقِّق نقلةً نوعيَّةً في حياته بالانتقال من عاملٍ بسيط "فراش" إلى مُعلِّم له مكانته في المجتمع. الأنشطة المدرسية لا تزال حاضرة في ذاكرة الأجيال رغم محدودية الإمكانات ذكريات جميلة لقد تبقَّى من مدارس الجيل القديم الذكريات الجميلة وعدد من المباني الطينية التي ظلت صامدةً عشرات السنين؛ لتحكي لجيل اليوم ما شهدته من حراك تعليمي وأنشطة مدرسية وحيوية ونشاط وإقبال على العلم، كما حفظت سطوراً من مكانة المُعلِّم وهيبته ووقاره وتقديره واحترامه التي افتقدها معلمو اليوم -للأسف-؛ إذ كان المعلم يحظى بالتقدير والاحترام من قِبَل أولياء الأمور ويُعطى مُطلق الصلاحيَّة في تقويم سلوك الطالب ومتابعته دراسياً، وغالباً ما تسمع ولي أمر لطالب يقول لمدير المدرسة ومعلموها عند تسجيله: "لكم اللحم ولنا العظم" في إشارة إلى منحهم الحُريَّة في طريقة تأديبه إذا أخطأ أو أهمل في دراسته، مِمَّا يجعل الطالب مستقيماً وجاداً في دراسته. ولم تكن المدارس قديماً تعرف الأسبوع التمهيدي بل إنَّه يتم استقبال الطالب بحزم وشدَّة تتخلَّلها ليونةً وشفقة، فيندمج سريعاً في بيئته المدرسيَّة منذ اليوم الأول، وكم يتذكَّر الطلاب أوَّل يوم دخلوا فيه إلى المدرسة، حيث يتولَّى أخوه الأكبر مُهمة تعريفه بمرافقها ومساعدته أثناء اليوم الدراسي ومراقبته، كأن يفك ربطة شماغه في فسحة الإفطار الطويلة، وذلك بعد أن ربطتها والدته خوفاً عليه من البرد برباط قويّ بشماغه من خلف رقبته، فيستعين بأخيه الأكبر لفكها بعد أن يُداهمه الحر، ومن المواقف الجميلة والذكريات التي تختزنها ذاكرة طلاب الأمس محاولات الغش البريئة التي يكون بطلها فرَّاش مدرسة القرية، إذ يدور آنذاك بسطل ماء الشرب بين الطلاب ليناول العطشان مُذقة ماء من الطاسة، فيستغل الطلاب براءته وطيبته فيستفزعون به في الغش، وذلك بإعطائه "براشيم" الغش التي يتداولونها فيما بينهم فيحملها بكُلِّ سذاجةٍ من طالب إلى آخر في غفلةٍ من "المُراقب" الذي لا يعلم سِرَّ كثرة الطلبة على الماء معتقداً حينها أنَّ الأسئلة نشَّقت ريق الطلاب نتيجة صعوبتها. وكان لفراش المدرسة نفسه هيبته لدى الطلاب، فإذا رأوه خارج المدرسة يخافون منه كخوفهم من المعلم إجلالاً له وتقديراً زرعه فيهم آبائهم منذ نعومة أظفارهم، فتراه يتعامل مع الطلبة المتأخرين ويُوبخهم ورُبَّما طردهم، كما حصل لوالدة طفل جاءت تجر ولدها الصغير الذي أتى متأخراً في أول يوم دراسي وهو يمشي الهويناء إلى المدرسة في خوف غريزي من المدرسة لأنَّه لم يعتد عليها بعد، وقد حفظ لنا الشعر موقف هذه الأم الحنون التي استيقظت منذ وقت مبكر لكي تمسك بيد طفلها الذي بلغ سن التعليم النظامي وتذهب به إلى المدرسة، فجادت قريحة الشاعر عبدالله بن عبدالعزيز الضويحي بهذه الأبيات بعد أن شاهد المنظر: قادها مع طلوع الشمس طفل قهدها خشف ريم نعيم نومستني طبوعه شفتها ياصباح الخير تقهد ولدها فيه طبع غريب ومعه نفس هلوعه غثها بالبكاء من شافها ما حسدها نوب تربط حذاه ونوب تمسح دموعه أمسكته بيمينه والحقيبة بيدها تقصد المدرسة والطفل بأول أسبوعه لامشى له ثلاث خطى بدربه لهدها قام ياقف ويقعد ورقبته مهزوعه كلما جت تقوده التوى في جسدها دزّها خلف يم البيت يبغى رجوعه طمّنت وهمست في أذنه صدّق وعدها وحط كفه بيدها بالأمر والمطوعه دقت السابعة والنصف شدّت جهدها وأسرعت كود تاصل ينتظم مع ربوعه عقب ماوصلت البواب قام وطردها قال حسب الأوامر من تأخر نصوعه حاولت فيه مير العود قطّع عقدها سكّر الباب واقفى لاعها الله يلوعه ورجعت تحمل هموم القضا من نكدها مشيها كنه المطعون بأقصى ضلوعه عُهدة المدارس قديماً كانت عهدة المدارس قديماً بسيطة جداً بما تعنيه عبارة البساطة من معنى، ونُورد دليلاً على ذلك عُهدة مدرسة أُسست منذ (60) عاماً، وجاءت في خطاب رسميّ مُوجَّه إلى مدير التعليم في "نجد" من مدير مدرسة "أثيثيَّة" الابتدائيَّة عام (1374ه) في جواب لبرقيةٍ وجَّهها بهذا الخصوص، حيث أنَّ عهدة المدرسة مايلي: ستة كراسي حديد، وثلاثة براميل للماء، ودلتين، وابريقين، وأربعة فناجيل، وست مَدّات، و(15) كرسي بأدراجها، ودولاب ذو درفتين، وماصة خشب، وست سبورات خشب فقط.