في الوقت الذي مزق فيه ما يسمى الربيع العربي بقية ما تبقى من علامات الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وقضى على آخر مقومات التنسيق الهزيلة ضمن إطار الجامعة العربية يسير بقية العالم في الاتجاه المعاكس. فنحن إذا نظرنا إلى البلدان المتقدمة نلاحظ أنها هي التي تعيش الربيع وليس نحن. فلننظر فقط إلى الجهود المكثفة التي تبذلها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل إقامة شراكة اقتصادية عبر الأطلسي. فهذه الطموحات قد ترجمت نفسها بإعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن بدء المحادثات مع الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة من أجل إقامة شراكة تجارية واستثمارية وذلك بهدف خلق الظروف المناسبة للخروج من الأزمة الاقتصادية وخلق مزيد من وظائف العمل في هذه البلدان. واعتقد أن تسليط الضوء على التوجهات الاقتصادية العالمية أمر ذو أهمية حتى تتاح لنا أن نقارن ما تصنعه منطقة الشرق الأوسط بنفسها مع ما يصنعه العالم لنفسه. فمثلما نلاحظ فإن المشاكل والصراعات التي تعيشها منطقتنا قد أبعدت عنها ليس فقط رؤوس الأموال العالمية الخاصة التي صارت تتدفق بعيدة عنها وإنما أيضاً أصحاب الحل والربط في هذه المعمورة. فمراكز القوى في العالم صارت تنأ بنفسها شيئاً فشيئاً عن مناطق الصراعات – التي لا تشكل تهديداً كبيراً لمصالحها. والسبب يعود إلى أن البلدان المتقدمة لا تريد أن تنغمس في مشاكل العالم الثالث على حساب مشاكلها الداخلية التي تحتاج منها، لمواجهة المد الصيني، إلى تجميع القوى من أجل معالجة الوهن الذي أصابها بعد عام 2008. فمثلما نعرف فإن الرئيس الأمريكي قد وعد الأمة الأمريكية بأنه سوف يخفض نسبة البطالة والدين القومي والعجز في الميزانية والميزان التجاري. ولهذا فإن أمريكا لا يهمها أن يذبح العرب أنفسهم بقدر ما يهمها مضاعفة الصادرات إلى العالم. ولذا فهي تركز على الشراكة عبر الأطلسي التي من شأنها زيادة التبادل التجاري. فهذه المنطقة الواسعة إذا ما تم إنشاؤها نهاية هذا العالم أو بداية العالم القادم فإن حجم الصادرات الأمريكية سوف يتضاعف. ولكن ما الذي تعنيه مضاعفة صادرات الولاياتالمتحدة غير زيادة تشغيل الاقتصاد وخفض نسبة البطالة لدى الأمريكيين. وهذا هو بالضبط ما يهم الرئيس الأمريكي وليس الشرق الأوسط. فالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي يستهدفون رفع حجم التبادل التجاري بينهم إلى أكثر من مستواه الحالي البالغ 2,7 مليار دولار في اليوم. فلنفكر فقط في هذا الرقم وننظر إلى وضعنا المزري في الشرق الأوسط الذي لا تتعدى نسبة التبادل التجاري بين بلدانه عن 10% من إجمالي تجارتها الخارجية. فهذه هي أقل نسبة تجارة بينية في العالم. إذ حتى البلدان الأفريقية قليلة الموارد يتجاوز فيها هذا المؤشر 15%، فما بالك بالبلدان الأوروبية التي تتخطى تجارتها البينية نسبة 70%. أقول فلنتفكر في أمرنا على ضوء ما يفعله العالم حتى لا نتخلف كثيراً عن مسايرة الربيع العالمي وتتباعد بالتالي المسافة الاقتصادية ودرجة التطور التي تفصلنا عن بقية العالم.