كان انفجار فقاعة شركات الإنترنت في عام 2000 نذيرا بزوال استراتيجيات النمو بأي ثمن التي كان ينتهجها المستثمرون في الغرب وقد يكون 2013 عام حدوث ذلك في الأسواق الناشئة. فمستثمرو الأسواق الناشئة شأنهم شأن أسلافهم من مستثمري شركات الإنترنت في التسعينيات يتعلمون بالطريقة الصعبة مخاطر دفع أسعار أعلى بازدياد لشراء أصول على أمل أن نموا فائقا في المستقبل سيحقق مردودا. ولعل انهيار الأسهم بالأسواق الناشئة وسط تباطؤ حاد للنمو يكون قد أسدل الستار على ما يسمى بنموذج استثمار النمو الذي أعمى لسنوات بصائر المتحمسين للقطاع. ومنذ نهاية 2010 وعوائد أسهم الأسواق الناشئة أقل بنسبة ضخمة تبلغ 50 في المئة عن الأسواق الأمريكية، وهذا العام قد يكون القشة التي قصمت الظهر، فمع تباطؤ النمو بالعالم النامي يقل أداء أسعار الأسهم عن نظيراتها في الدول المتقدمة بأكثر من 20 في المئة وعن الأسهم الأمريكية بمقدار الثلث. ويقول كثيرون إن الوقت قد حان للتحول إلى الاستثمار المرتكز على القيمة، أي شراء الأسهم التي يعتقد أنها متداولة بأقل من قيمتها الحقيقية، وبعبارة أخرى تحاشي بعض أسهم التجزئة الهندية والروسية تلك المتداولة عند 50 مثل الأرباح المتوقعة على أمل حدوث نمو استهلاكي هائل في المستقبل. وقال جيوردانو لومباردو مدير الاستثمار لشركة بايونير انفستمنتس في ميلانو "نضخ عناصر من الاستثمار المرتكز على القيمة في محافظنا للأسواق الناشئة". وقال "المستثمرون يواجهون معضلة فمن ناحية ينبغي أن يأخذوا في الحسبان تدهور العوامل الأساسية ومن ناحية أخرى تبدو القيمة المقدرة أكثر إغراء.. إحدى الاستراتيجيات المناسبة في مثل هذه الظروف هي التركيز بدرجة أكبر على القيمة وتحاشي بعض الاستثمارات في بلدان وأسهم ما زالت تبدو باهظة الثمن". وبالفعل تبدو معظم أسهم الأسواق الناشئة رخيصة جدا، فمتوسط القيمة المقدرة منخفض أكثر من 25 في المئة عن 2009 حسبما يقول دويتشه بنك في حين لم يطرأ تغير يذكر على الأسواق الأمريكية والأوروبية. ومن شأن المقارنة مع أعلى مستويات 2007 أن يجعل هذه الدعوى أكثر إقناعا، فالقيمة المقدرة للقطاع منخفضة بنسبة 50 في المئة حسبما تظهره بيانات دويتشه، وفي غضون ذلك فإن القيمة المقدرة بالأسواق المتقدمة منخفضة 28 في المئة عن أعلى مستوياتها. وعلى أساس القيمة الدفترية تكاد تكون كل سوق ناشئة أرخص بكثير من معدلاتها التاريخية، فالبرازيل وبولندا والهند على سبيل المثال تظهر خصما نسبته 30 في المئة عن معدلاتها التاريخية لعشر سنوات مضت وكوريا الجنوبية أقل بمقدار الربع عن متوسطها التاريخي. لقد أثبتت أكثر من دراسة خطأ الإدعاء الرائج بوجود علاقة بين النمو الاقتصادي السريع وعوائد سوق الأسهم ومن أبرزها تقرير صدر في 2005 أعده إلروي ديمسون وبول مارش ومايك ستونتون الأكاديميون بكلية لندن للاقتصاد. وطبقت دراسة أحدث أجراها بنك لومبارد أودييه السويسري تلك الفكرة على الصين وخلصت إلى أنه رغم نمو سنوي نسبته 15 في المئة بين 1993 و2005 لم تتجاوز العوائد المجمعة لسوق الأسهم سالب 3.3 في المئة. وفي واقع الأمر يقول ألبرت إدواردز المحلل في سوسيتيه جنرال لا ترجع عوائد أسهم الأسواق الناشئة والتي كانت في خانة العشرات قبل 2008 إلى النمو السريع بل إلى أن السوق كانت رخيصة في عام 2000 عندما كان العالم النامي يتعافى للتو من الأزمة. وأبلغ إدواردز عملاء "القيمة المقدرة هي العامل المهم للاستثمار في الأسواق الناشئة لا نموها الاقتصادي الفائق". وبالطبع فالنمو لا يتنافى مع القيمة ففرص نمو أي شركة هي جزء من قيمتها، لكن تقع المشكلة عندما تتجاوز القيمة المقدرة بكثير النمو في المستقبل وهو ما يتفاقم غالبا بسبب حرص مستثمرين جدد على اللحاق بالركب. وهذا هو ما حدث لشركات الإنترنت في أواخر التسعينيات وربما للأسواق الناشئة في السنوات التالية على 2007. وإدواردز مشهور بتوقعاته الاستثمارية غير المتفائلة لكن أسعار الأسهم بالأسواق الناشئة منخفضة للدرجة التي تجعل حتى متشائما مثله يتوقع فجوة في القيمة المقدرة، فالقطاع متداول عند أقل من عشرة أمثال الأرباح المتوقعة أي أقل 30 في المئة عن أسهم الأسواق المتقدمة، ويصف إدواردز ذلك بأنه "معقول جدا". وهناك مثال آخر على الفجوة النسبية في القيمة المقدرة - فبنكان أمريكيان هما ولز فارجو وجيه.بي مورجان قيمتهما السوقية معا 440 مليار دولار وهو ما يزيد عن قيمة كامل قطاع الطاقة والمواد في البرازيل وروسيا والهند والصين. ويقول بنك أوف أمريكا/ميريل لينش إنه قبل أقل من ثلاث سنوات كانت قيمة هذين البنكين أقل من نصف قيمة قطاعات السلع الأولية لدول مجموعة بريك. ويقول جون بول سميث المحلل في دويتشه بنك والمراهن منذ فترة طويلة على انخفاض أسهم الأسواق الناشئة إن قناعته بأزمة مالية وشيكة في الصين هي فقط التي تمنعه من توصية العملاء بالشراء. وقال "لولا عامل الصين قد تكون أسواق الأسهم الناشئة مغرية للمستثمر الباحث عن القيمة للمدى الطويل"، لكن قد يكون من الصعب على الفور تطبيق ذلك المفهوم على أسهم الأسواق الناشئة، ففي قطاع حديث العهد نسبيا قد يجد مستثمرو القيمة أن البيانات التاريخية طويلة الأمد للقيمة المقدرة أو الديون أو الأرباح المعدلة خادعة. وكثيرا ما تكون الأسهم رخيصة لسبب منطقي - نمو ضعيف للأرباح أو إدارة سيئة أو تدخل زائد للدولة - وكلها مشاكل تعاني منها الشركات في العالم النامي، لذا قد يكون من الصعب العثور على أسهم بقيمة مقدرة رخيصة وعوامل أساسية قوية في نفس الوقت. وقال لومباردو من بايونير والذي مازال يستثمر في بعض الأسهم الباهظة مثل شركات السلع الاستهلاكية بسبب فرصها الواعدة للمدى الطويل "القيمة استراتيجية جيدة للأسواق الناشئة ما لم ترتكب خطأ السقوط في فخ القيمة، "الاقتصار على القيمة قد يكون عالي المخاطر".