قدّمت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الكثير من التسهيلات لفاعلي الخير الراغبين في بناء مساجد أو جوامع في مختلف مدن ومحافظات وقرى ومراكز المملكة، إذ ثمة إجراءات تختص بعضها بمهام ومسؤوليات إدارة الأوقاف، وأخرى تتعلق بإسهامات المقتدرين الراغبين ببناء بيوت الله، حيث إن عمليات بناء المساجد يجب أن تتم بصورة واضحة تماماً ودقيقة، بدءاً من جمع التبرعات، وإعداد المخططات، مروراً باختيار المواقع الأكثر احتياجاً، والإشراف على مراحل البناء والإعمار، وانتهاءً بالإنفاق على أعمال الصيانة والنظافة، والمتابعة الدورية للمساجد؛ مما يجعلنا نتساءل: كيف يتم تنظيم فاعلي الخير لبناء المساجد إجرائياً؟، وما هي الاشتراطات اللازمة في ذلك؟، وهل نحتاج إلى المزيد من التقنين والتنظيم في عملية بناء المساجد؟. تقدير الاحتياج كشف "محمد أحمد" أنّ معظم المتبرعين يرفضون ذكر أسمائهم احتساباً للأجر، موضحاً أنّ صيانة المساجد من مسؤولية إدارة الأوقاف بعد استلامها المشروع رسمياً، باستنثاء الأمور المتيسرة، مؤكّداً على أنّ أهم ما يجب التركيز عليه في مسألة بناء المساجد هو تلمس الاحتياج الحقيقي، من خلال البحث عن الموقع المناسب، الذي سيخدم فئة بحاجة حقيقية لوجود مسجد بالجوار، وفي حال توفر الإمكانات المادية فيفضل بناء مسكن للإمام والمؤذن. موقع المسجد وذكر "يوسف العيدي" -متبرع بمسجد الفاخرية بعنيزة- أنّه يشترط توفر الأرض، وفي بعض الأحيان تؤمنها الأوقاف، على الرغم من أن المتبرع يضع ذلك في اعتباره، إذ يفرغ الأرض بعد شرائها للمسجد، ويتطلب ذلك موافقة الأوقاف بناءً على المواصفات، وكذلك للبلدية بالنسبة للجيران، موضحاً أنّ المشكلة الحقيقية تتمثل في الصيانة الدورية، حيث يتوجب أن تستمر نظافة وصيانة المسجد، وهذا أمر ممكن ولكن قد يقل الحماس مع مرور الوقت، لافتاً إلى أنّ إدارة الأوقاف لا تهمل هذا الجانب رغم محدودية إمكاناتها في القسم الفني، معتبراً أنّ الإفصاح عن اسم فاعل الخير متروك للشخص وله حرية الاختيار، منوهاً بأن معظم المتبرعين يشيدون المسجد لشخص متوفى، ويذكرون اسمه، والبعض الآخر يرفض حتى ولو كان على قيد الحياة. وأثنى "العيدي" على أوقاف عنيزة، حيث إنّهم حريصون على المساهمة في تسهيل الكثير من الإجراءات بهذا الخصوص، مضيفاً: "أكثر الناس متحمسين لبناء مسجد، سواءً كان بعد وصية قريب، أو إحساساً بحاجة الآخرين، وتكمن المشكلة في عدم أخذه لآراء من سبقوه في بناء المساجد رغم أهمية ذلك، فمثلاً البعض يشترط أن يكون الموقع في مكان محدد، ولعمل ذلك لابد من وضع جدوى وفائدة المكان المفترض، وأن يؤدي غرضه لخدمة المسلمين سواءً داخل أو خارج المنطقة، كذلك يضع في الاعتبار تهيئة المواقف المخصصة للسيارات، وموقع المساجد، ومدى قربه من المساجد الأخرى، وإمكانية بناء منزل للمؤذن والإمام"، لافتاً إلى أنّه يجب على المتبرع أن يتأكد أنّ للمسجد رسالة عظيمة من الواجب أن تتحق، مستشهداً في حديثه بالجوامع الواقعة على طرق عامة ولم تؤمّن مواقف كافية للسيارات؛ مما تسببت بازدحام في العبور ومضايقة الخلق. الممول والأرض وبيّن "عبدالرحمن السلامة" -موظف متقاعد ومتفرغ للأعمال الخيرية- أنّه لابد من توفر أمرين قبل الشروع في بناء المساجد: الممول أولاً، ومن ثم الأرض الملائمة، بعد ذلك يتم التقديم لإدارة الأوقاف والمساجد، التي تتولى بدورها مخاطبة الجهات المختصة لاستخراج رخص البناء، موضحاً أنّ الاشتراطات ميسرة، ووضعت لغرض الإفادة من المسجد بما يوفر الراحة والهدوء للمصلين، إذ تركز على إيجاد مرافق تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة، من مداخل، ودورات مياه، والاهتمام بموقع مصلى النساء، لافتاً إلى أنّ صيانة المسجد تكون مشتركة، وغالباً ما يحرص فاعلو الخير على تولي صيانتها، منوهاً بأنّه في معظم الحالات لا يمانع فاعلو الخير ذكر أسمائهم، وفي كل الحالات فإن الوكيل الشرعي هو همزة الوصل بين فاعلي الخير وإدارة الأوقاف والمساجد، مضيفاً: "إننا بحاجة إلى المزيد من التنظيم فيما يتعلق بهذا الجانب، حيث من الملاحظ تقارب أماكن بعض المساجد من بعضها، كذلك التوسع المبالغ في مساحات البناء إذ يترتب عليه استهلاك للكهرباء ومشقة في الصيانة، وأرى من منظور شخصي أن يكون لكل مسجد أو مجموعة من المساجد وقف خاص بها، كأن يكون محلات تجارية أو شقق سكنية، ويكون ريعها للصيانة وسد حاجات المصلين". ملكية الأراضي وأكّد الشيخ "محمد بن غازي الحنيني" -أحد رجال الأعمال المتبرعين- على أنّه لا بد من توفر أرض بصك شرعي، وبعد مخاطبة الأوقاف حول الرغبة ببناء مسجد أو جامع يتم تحويل ملكية الأرض للأوقاف، واستكمال بقية الإجراءات مع البلدية والجهات المعنية، لافتاً إلى أنّ هناك مرونة واضحة في التعامل مع الأوقاف، ولديهم تعاون جيد مع فاعلي الخير، إذ بعد أن ينتهي فاعل الخير من أعمال البناء يصبح المسجد جاهزاً لتسليمه للأوقاف، والذين يتولون بدورهم إدارته ومتابعته وكافة مصاريفه، منوهاً بأنّ هناك جوامع يتولاها فاعلو الخير يعملون على إنشاء وقف يعود دخله للصرف على الجامع وملحقاته، مفيداً أنّ للمتبرع حرية الاختيار بذكر اسمه أو عدمه، فذلك لا يؤثر على الغاية السامية من بناء المسجد، مشيراً إلى أنّه تم الانتهاء من إنشاء جامع في "الدليمية"، كما تكفل ببناء جامع في "سورية"، وشارك في إنشاء ودعم عدد من المساجد بالرياض، وترميم أربعة مساجد في أحياء متفرقة، والانتهاء مؤخراً من إجراءات تشييد مسجد جديد، وقد تم ذلك كله بتسهيلات من وزارة الشؤون الإسلامية، من دون وجود أية عوائق تجاه فاعلي الخير لخدمة المساجد. إجراءات هامة ولفت "خالد الروقي" -إعلامي متعاون في إدارة الأوقاف- إلى أنّ الجميع يعرف فضل الإنفاق على المساجد، وتعميرها، والمساهمة في استمرارها، وبنائها، فقد أثنى الله سبحانه على من يعمر مساجده، فقال -جل وعلا-: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ"، مؤكّداً على أنّ هناك تجاوبا كبيرا من إدارة الأوقاف فيما يختص في بناء المساجد، حيث تتعاون مع المتبرع، وتسعى دائماً لإبراز دورهم الهام، موضحاً أنّه سبق أن تبرع عدد من المقتدرين ورجال الأعمال والمحسنين لعدد من الجوامع موزعة في أحياء المنطقة وخارجها، وثمة عدد من الإجراءات الهامة التي تعتمد عليها عملية بناء المسجد، منها: مرحلة اختيار الموقع، وشراء الأرض المناسبة، والاهتمام ببناء المساجد من الداخل والخارج، والعناية بأساسيات الكهرباء، والصوتيات وملحقاتها، ودورات المياه، ومواقف السيارات، والإشراف الهندسي أثناء عملية البناء والصيانة الدورية بعد البناء، بناء سكن خاص للإمام والمؤذن. مصلحة المتبرع وقال الشيخ "د.فهد بن سليمان الخليفة" -مدير إدارة الأوقاف والدعوة والإرشاد بمحافظة عنيزة-: "بناء المساجد من أشرف الأعمال التي حث عليها ديننا الحنيف، ويتسابق الناس في هذه البلاد المباركة على تشييد المساجد وبنائها والمساهمة فيها رغبة في تحصيل هذا الأجر، ويمر بناء المسجد بعدد من الإجراءات الإدارية، تبدأ من ضرورة إفراغ الأرض لصالح وزارة الشؤون الإسلامية، حيث لا يمكن بناء مسجد على أرض لم تفرغ لها، كما يشترط أن يكون الحي آهلاً بالسكان حتى تتحقق معه مصلحة المتبرع والقصد من بنائه، ويشترط أيضاً أن يبعد عن أقرب مسجد (250) متراً من جميع الجهات، ولابد من إصدار رخصة بناء من البلدية للشروع في البناء". وأضاف "د.الخليفة": "تشترط إدارة الأوقاف على فاعلي الخير عدد من الشروط تلافياً للإشكالات التي تحصل، ومنها: مراجعة الإدارة، وتوقيع التعهدات اللازمة من تمويل المسجد، واستعداده لإكمال بنائه، ويمنع من جمع التبرعات للمسجد، أو وضع لوحة تشير لذلك حسب تعليمات الوزارة، كما يلتزم بوضع مشرف هندسي للمشروع يكلف بإعداد تقارير هندسية عن المسجد وصلاحية مراحل البناء، وتكون مدة العقد واضحة مع المقاول بدايةً ونهاية، حتى ينجز العمل في وقته، ويحاسب المقاول عند التأخير، كما يشترط على المتبرع بناء المسجد والسكن المخصص للإمام والمؤذن، حرصاً على انتظام الجماعة ورغبة في توفير سكن لكل مسجد". حق التسمية وأشار "د.الخليفة" إلى أنّ الوزارة لها دور حيوي مهم بصيانة المساجد وتلبية احتياجها من مواد السباكة، والكهرباء، والصوتيات، موضحاً أنّ لديهم خطة في "عنيزة" لأن تشمل الصيانة الدورية كل المساجد وتتم تغطيتها بالكامل، كما توفر الوزارة ميزانية سنوية لهذا الأمر، ولا تمنع في الوقت نفسه فاعل الخير ممن يرغب بصيانة المساجد، منوهاً بأنّ التسمية حق مشروع للمتبرع، فإن رغب أن يكون باسمه او اسم أبيه أو أمه، وإن لم يرغب فله ذلك، ويمكن أن يختار له اسما آخر مناسبا، كأسماء الصحابة أو الصحابيات أو الأعلام المشهورين، فالتسمية أمرها واسع ولا يمكن التحجير فيها، مؤكّداً على أنّ عملية تنظيم فاعل الخير لبناء المساجد تحتاج إلى المزيد من التقنين، لا سيما مع كثرة المتبرعين وكثرة المساجد وتوزيعها في الاحياء، والذي ينبغي أن يبنى في كل حي مسجد بشرط أن يكون آهلاً بالسكان، ويكون الحي بحاجته، لافتاً إلى أنّه من الممكن أن يتجه أهل الخير إلى صيانة المساجد وترميمها وتأمين احتياجها بدل البناء. «بركس» مصلى حي اليرموك شرق الرياض «أرشيف الرياض» «بركس» مصلى حي اليرموك شرق الرياض «أرشيف الرياض» محمد الحنيني خالد الروقي