في أكتوبر 2011 وصلت الى جزيرة ساميوي في خليج تايلند بواسطة طائرة مروحية حلقت على ارتفاع منخفض.. كانت مليئة بالسياح الإسرائيليين الأمر الذي ذكرني بتجربتي معهم في هولندا(والتي استعرضتها على موقعي في الفيسبوك بعنوان: عفواً، هل أنت فلسطيني؟). .. على أي حال؛ انتهت الرحلة بسلام هذه المرة حيث انشغل الجميع بمنظر الجزر الجميلة - التي كانت تبدو واضحة من نافذة الطائرة.. وحين هبطت كان أول درس تعلمته في المطار هو إمكانية التوفيق بين قلة المال، والكفاءة والجمال في بناء المطارات الحديثة.. فما إن دخلت صالة القدوم حتى لفت انتباهي جمال ونظافة المطار الذي بُني من سعف النخيل وجذوع الأشجار والزجاج المظلل (فقط) وبطريقة إنسانية مريحة غيرت نظرتي لما يجب أن تكون عليه المطارات الحديثة!! .. وفي الحقيقة؛ الجزيرة بأكملها محدودة الإمكانيات ولا تملك من مقومات السياحة غير شواطئها البحرية الخلابة.. ولكنها بالنسبة لي كانت تتضمن لغزاً بشرياً عزمت مسبقاً على رؤيته والتأكد من حقيقته.. ففي هذه الجزيرة يوجد معبد يدعى Khunaram اكتسب شهرة واسعة بين الشعوب البوذية لسبب عجيب.. فقبل ستين عاماً عاش في ساميوي رجل ثري قرر في آخر عمره التبرع بأمواله للفقراء والعيش كراهب بوذي متقشف في المعبد. وقبل وفاته عام 1973 أوصى بعدم دفن جسده مدعياً أنه سيبقى سليماً الى الأبد بفضل تعاليم بوذا(كما تحكي سجلات المعبد).. وبالفعل لم يتم دفنه بعد وفاته وبقي جالساً في مكانه حتى اليوم دون أن يتحلل أو يتعفن (ويمكنك رؤية الصور التي التقطتها له على الفيسبوك، أو قم بإدخال هذه الجملة Mummified Monk, Koh Samui في اليوتيوب). وحين سألت القائم على المعبد: ألم يتم حقنه أو حفظه بعد وفاته بأي مادة خاصة؟.. أجاب بابتسامة هادئة - وكأنه سمع هذا السؤال كثيرا: لم يحدث شيء من هذا القبيل؛ فجثمانه بقي محفوظاً بفضل حالة التنور القصوى التي وصل إليها..!! وبالطبع؛ هذا الكلام لا يقنع إلا شخصاً بوذياً لم يسبق له الكتابة عن هذا الموضوع.. فأنا شخصياً كتبت مقالاً عن هذه الظاهرة (بعنوان: موميات صنعت نفسها) قلت فيه إن الموميات المحنطة والأجساد المحفوظة يمكن أن تتشكل بثلاث طرق رئيسية: الأولى مقصودة ومتعمدة (كما في الموميات المصرية القديمة أو الروسية الحديثة) والثانية طبيعية وغير مقصودة بسبب ظروف مناخية أو بيئية استثنائية (كالوفاة تحت الثلوج أو في مستنقع ملحي يمنع البكتيريا من تحليل الجسد).. وبين هذين النوعين توجد طريقة ثالثة يعمد خلالها الإنسان إلى تهيئة جسده (قبل وفاته) لعدم التحلل والتعفن (بعد وفاته).. فالتحول لمومياء يعتمد في النهاية - ومهما تغيرت الأساليب - على قتل البكتيريا الضارة داخل الجسم وبالتالي منعه من التعفن والتحلل.. وفي الحالة الثالثة يبدأ الراهب (قبل وفاته بسنوات) بعمل حمية قاسية تقتصر على أكل نباتات وفواكه برية قاتلة للبكتيريا.. وبمجرد تشبع أعضائه بها يمارس أعمالاً بدنية شاقة تساهم في خفض وزنه الى درجة يصبح غير كاف لانتشار بكتيريا التحلل!! ورغم فشل 90% من حالات التحنيط الذاتية؛ إلا أن هذا النوع من الموميات مشهور في اليابان ويشاهد بأفضل صوره في معابد كويا وشينجون، وبدأها قبل ألف عام راهب يدعى كيوكاي مايزال جسده محفوظاً حتى اليوم، وماتزال تعاليمه متداولة في كافة المعابد البوذية! .. وبناء على كل هذا ؛ لا أعتقد أن جسد الراهب في جزيرة ساميوي تحنط بفضل حالة "التنور" التي وصل إليها، بل بسبب منع البكتيريا من القيام بعملها المعتاد في تحنيط الأجساد.. ويبقى السؤال عن أسلوبه الغامض في فعل ذلك!