لا أتذكر كم مقالاً كتبت - خلال الخمسة عشر عاماً الماضية - عن فكرة السفر عبر الزمن. إلا أنني كنت دائماً أعود للموضوع من زاوية جديدة محاولاً إقناع نفسي - قبل القراء - بإمكانية فعل ذلك (!!) وفي أدب الخيال العلمي أعرف عشرين رواية على الأقل تتمحور حول هذا الموضوع - لعل أقدمها رواية «آلة الزمن» للأديب الإنجليزي ج. ويلز عام ,1895. أما أكثرها براعة فتدور حول وكالة سياحية (من عام 2099) تنظم لعملائها رحلات إلى الماضي لمشاهدة الكوارث التي وقعت خلال التاريخ - مثل قنبلة هيروشيما وتفجيرات نيويورك!! .. الجديد في مقال اليوم هو التخلي عن فكرة السفر بجسدنا المادي الحقيقي، والاستعاضة عنها بسفر العقل والروح عبر الزمن.. وقد تبدو الفكرة غريبة لأول وهلة ولكننا - في الحقيقة - مررنا بها جميعاً، فأثناء النوم قد يسافر العقل مجتازاً حواجز الزمان والمكان فيرى من المستقبل ما قد يتحقق بعد يومين أو ثلاثة.. كما قد يعود إلى الماضي فيطلع على أحداث يثبتها الحاضر بعد استيقاظه من النوم. وهذا النوع من (الرؤى) يثبت امتلاك العقل لآلية فريدة تتيح له الانعتاق من سجن الواقع والسفر عبر الزمن - فيبقى الجسم مكانه في الفراش!! وهناك عالم من جامعة سان فرانسسكو يدعى باتريك ناش يؤكد استحالة سفر البشر بأجسادهم إلى الماضي - ولكنهم يستطيعون السفر بأفكارهم وذكرياتهم بعد تحويلها إلى «طاقة» لاسلكية، فأفكار البشر يمكن حالياً ترجمتها إلى نبضات كهربائية أو ذبذبات إلكترونية وإرسالها عبر الأثير. وفي حالة نجاحنا في إرسالها - ثم استعادتها - بسرعة خارقة نستطيع تحريكها عبر الزمن ذهاباً وإياباً.. وهكذا قد ننجح مستقبلاً - من خلال أطباق خاصة - بإرسال أفكارنا إلى أجدادنا في الماضي أو نقل ما يحدث في الحاضر إلى أحفادنا في المستقبل!! ٭ وفي كتابه (يوجا عبر الزمن) يتحدث الدكتور فرد آلن وولف عن إمكانية الانتقال إلى المستقبل من خلال ممارسات روحية خاصة. ويناقش في هذا الكتاب قدرات الرهبان الهنود على الدخول في حالة عميقة من التأمل والتركيز تتيح لهم العودة للماضي أو رؤية المستقبل - بنفس الطريقة التي نرى فيها الأحداث أثناء النوم. ويدعي الدكتور وولف أن هناك خمسة حواجز مادية وجسدية - حسب الفلسفة الهندية - تحول دون استعمالنا الدائم لهذه الموهبة. ويحاول في هذا الكتاب (وعنوانه الأصلي Yoga of time travel) إرشاد القارئ إلى كيفية السفر عبر الزمن بطريقة ذهنية باستعمال تمارين «اليوغا» فقط. ورغم إيمان العلماء بوجود آلية توقيت - وإدراك للزمن - في جسم الإنسان إلا أنهم لا يعرفون مكانها بالتحديد. ورغم دقة هذه الآلية إلا أنها قد تضطرب في ظروف خاصة فيحدث تسريع للوقت باتجاه المستقبل أو العودة به إلى الماضي. فحين يواجه الإنسان خطر الموت - أو حين يدخل مرحلة الاحتضار - يشاهد شريط حياته خلال ثوان معدودة. وهذه المشاهد - التي تشبه تسريع شريط الفيديو - قد تتضمن عناصر من المستقبل (كرؤية ابنه الصغير يتخرج من الجامعة) أو أحداثاً منسية من الماضي (كرؤية نفسه حين دخل المدرسة لأول مرة)..!! على أي حال، المشكلة في كل الحالات السابقة أن سفر العقل يحدث بدون مقدمات وخارج إرادة الإنسان.. واختفاء «الإرادة» في هذه الحالة هو ما يعطي إرشادات الدكتور وولف شعبية خاصة رغم إدراك معظم القراء أنها لن تنجح على أرض الواقع! [email protected]