تسير بسيارتك مع عائلتك في أول أيام العيد ولا تدري إلى أين تتجه؟ وقد تحدد وجهتك وأنت في منتصف الطريق في الوقت الذي تأتيك الاقتراحات من أكثر من مكان داخل سيارتك؛ فالأبناء يقترحون الذهاب الى المطعم الذي سمعوا عن افتتاحه من أصدقائهم، والبنات يطلبن مساحة من الوقت لاستشارة صديقاتهن عبر"الواتس آب" لمعرفة أفضل مكان ممكن أن يلتقين فيه، و"أم العيال" عندما تطلب مشورتها ترد عليك مستعجلة "اللي تشوفه يا أبو فلان". ووسط زحمة السيارات تتمسك بقوة أكثر بمقود السيارة وأنت غاضب.. تتمتم بهدوء بينك وبين نفسك قائلاً:"ليتني اتجهت من طريق آخر"، ثم تحاول أن تبحث عن مخرج تستطيع منه الخروج من نفق الازدحام الطويل، وما أن تنفرج أزمة الازدحام عبر الدخول من شارع فرعي تتوقف فجأة أمام أقرب مطعم بعد أن تكون قد استغرقت وقتاً طويلاً في البحث عن موقف لسيارتك.. وأنت تتجه لدخول المطعم ترافقك العائلة وتعترضك آراؤهم على هذا المكان الذي حفظوا قائمة مأكولاته؛ فترد عليهم بأن يمرروا لك هذا الاختيار المفاجئ؛ فالجوع قد وصل مداه لديك مع وعدك لهم بأنهم سيكونوا أصحاب القرار باقي أيام العيد. الزحمة متوقعة ولكن «توقيت الخروج» يكفيك ساعات الانتظار في الشوارع وفي المطعم يستمر مسلسل الازدحام البشري، وقد يستغرق انتظارك لطاولة الطعام أكثر من ساعة؛ مما قد يجعلك تتمنى أن تؤجل مشروعات تمشية العيد إلى ما بعد العيد أو حتى إشعار آخر.. السؤال الذي يطرح نفسه من خلال هذا التحقيق: لماذا لا ترتب نفسك أيام العيد حتى لا تعيش فوضى الزحام والانتظار وحتى لا يكون عيدك نكد بسبب سوء تخطيطك؟. احجز مكان جلوسك قبل حضورك للمكان بيوم على الأقل مشكلة الازدحام وقال الأستاذ "صالح فريد" -مسؤول علاقات عامة- إن مشكلة الازدحام خلال موسم العيد مشكلة مزمنة ومتكررة كل عام، وبالنسبة لعائلتي فاليومان الأولان يكونان مخصصين لزيارة الأهل والأقارب، وفي اليوم الثالث يكون هناك تنسيق بين السيدات للقاء في أحد الأماكن العامة، موضحاً: "أنا لا أخرج من المنزل خلال أيام العيد حتى يخف الازدحام في الأماكن العامة، خاصة بعد أن عشت تجربة الوقوف في أحد الشوارع لمدة ثلاث ساعات متواصلة ودون حركة، حيث حول مشوار الفسحة إلى مشروع نكد"، مشيراً إلى أن الزحمة هي العائق الذي لا يجعلني استمتع بطقوس العيد، وما يعقد الأمور أكثر أنك لا تجد طاولة في المطاعم ولا في المقاهي ولا الأماكن المشيدة في الكورنيش، وذلك بسبب خروج جميع الناس فى وقت واحد، خاصة وأن مدينة مثل جدة تستضيف زوارا من مختلف مناطق المملكة، وهذا ما يجعل البعض يتجه إلى الخيار الثاني كالسفر للخارج الذي كان أحد الحلول بالنسبة لي؛ هرباً من الزحام والاستمتاع بأجواء العيد السعيد. التوقيت المناسب للخروج يجعلك تصل مع أطفالك لمواقع الاحتفالات عدم التخطيط وأضاف الأستاذ "حسين بابقي" -مشرف العلاقات العامة والشؤون الإعلامية بمدينة الملك عبدالعزيز الطبية بالحرس الوطني- أننا مجتمع غير منظم، وهذا ما نلاحظه في شهر رمضان من ازدحام شديد في كل الأماكن العامة والمراكز التجارية للتسوق، متسائلاً: لماذا نحصر شراء كل مستلزماتنا في شهر رمضان ونظل حتى آخر ساعات ليلة العيد في الأسواق؟، مؤكداً على أننا نعاني من عدم التخطيط وترتيب الأولويات في حياتنا الذي ينتج عنه ازدحام يشعرك أنك في ورطة ولست في مناسبة عيد، وذلك بسبب أن الثقافة المجتمعية تروج لذلك المفهوم العشوائي في كل شيء؛ فالناس تخرج في وقت واحد لزيارة مكان واحد، ولذلك نضطر وعائلتي للجلوس في البيت حتى يعم الهدوء الشوارع. زحمة الشوارع في المدن الرئيسة سبب نكد العائلة في العيد عمل الحجوزات وأشار الأستاذ "فهد الغامدي" -رجل أعمال- إلى أن زحمة العيد لها تأثير على تعكير صفو العيد للمتنزهين والباحثين عن المتعة في ربوع عروس البحر الأحمر، مبيناً أن العادة يكون القرار لكافة أفراد الأسرة في اختيار المكان والوقت للخروج في العيد، مؤكداً على ضرورة أن يكون هناك تخطيط قبل العيد بفترة طويلة يشتمل على اختيار المكان المراد زيارته وعمل الحجوزات في المطاعم حتى لا يضيع الوقت في الانتظار والتنقل من مكان لآخر بحثاً عن طاولة لتناول الطعام، مؤيداً الاقتراح الذي يتضمن الابتعاد عن أماكن الترفية مثل مدن الملاهي وتركها للزائرين؛ لأننا طوال العام نستطيع زيارتها والاستمتاع بأجوائها أو شد الرحال لمدن أخرى بالمملكة تمتاز بالجو الربيعي والخدمات الراقية. صالح فريد مواقف متشابهة ويرى الأستاذ "محمد السعيدي" أن مهمة السائق الحقيقيه يجب أن تكون خلال أيام العيد؛ فالزوج يستحق إجازة ليرتاح فيها من عناء مشاوير تسوق رمضان التي تكون موزعة بينه وبين سائق العائلة، موضحاً أنه لا يفضل مغادرة المنزل، ويرحب بكل الزائرين، بل ويصر على جلوسهم أطول وقت ممكن، رغم أن ذلك يتسبب في إزعاج أبنائه وبناته الذين يرددون أن المتعة في الزحمة ومشاهدة مظاهر العيد في الطرقات، ولكنه يري أنه معذور أيضاً في ذلك؛ لأن الخروج أيام العيد يعني أن تظل حبيس السيارة التي بالكاد تتحرك مما يشعرك بالندم. وترضخ السيدة "أم السعد" لرغبات ابنائها الصغار في الخروج أيام العيد الأولى، بل ويصفون ساعات الانتظار الطويلة بالممتعة، وذلك لأن الدنيا عيد، ومن الطبيعي أن يحدث ذلك رغم أنها تشعر بالضيق والإزعاج، وتضطر لدفع أجرة عالية لسائق التاكسي الذي يتسمر في السيارة من الازدحام الذي تشهده كل الشوارع في مدينة جدة، مؤكدة على أنه من الصعب أن تخطط العائلة في العيد للمشاوير؛ فالزحمة لا تساعد على ذلك؛ لأنها أصبحت مظهرا من مظاهر العيد وعلى المتضرر الجلوس في البيت ومتابعة البرامج. حسين بابقي وقالت "أم أحمد" إن الأسر في العادة ترتب جدول زيارتها في العيد مع باقي العائلة، وهذا يعطل التخطيط الذي قد يحقق الفائدة؛ فالجميع في العيد مرتبطون بزيارات الأماكن نفسها، ولا يمكن أن تتخلف أو تعتذر، وإلاّ أصبحت سبباً في حرمان ابنائك من لقاء أبناء العائلة الذين قد لا يلتقوهم إلاّ في العيد. الجلوس في البيت وتروي لنا "هديل سنبل" قصة سائق عائلتها الذي يطلب زيادة في الراتب طيلة أيام العيد، وإلاّ فإنه سيضرب عن العمل، وذلك بسبب الزحام الذي لا يطيقه؛ فهو يفضل السفر بين مدن المملكة ولا التوقف لساعات طويلة بين طوابير السيارات، مشيرة إلى أنها تفضّل تأجيل الخروج من البيت حتى تخف الزحمة، وقضاء الوقت في استقبال زوار العيد أو مشاهدة برامج التلفزيون، أوالنوم الذي في العادة يحتل وقتاً طويلاً من برنامج العيد. وتشكو "أم عثمان" إصرار زوجها على عدم الخروج من البيت أيام العيد؛ بحجة الازدحام، حيث يصف خروجه في هذا الوقت من المستحيلات التي لن تتحقق مهما كانت المغريات، مشيرة إلى أنه يعوض أبنائه بدفع عيدية مميزة أو بشراء اشرطة "بلايستشين"، والاشتراك في قنوات فضائية تقدم برامج مسلية، وعندما تنتهي أيام العيد لا يمانع في الخروج إلى أي مكان طالما أن الزحمة أصبحت في خبر كان!.