في ختام شهر رمضان يتسابق الناس الى فعل الخير بعدما استقبلوه بروح عالية وروحانية غامرة قضوا نهاره في الصيام ويحيون ليله بالقيام ويختلف نشاط رمضان عن غيره من الشهور فلياليه يكثر فيها السهر ويجتمع فيها الاهل والاصدقاء وتتحول الوجبات المعتادة الى وجبتي السحور والافطار ويحرص الكبار على تعويد الصغار على الصيام ليعتادوا على تحمل الجوع والعطش تنفيذا لتعاليم الدين الاسلامي ويتنقل شهر رمضان بين فصول السنة الاربعة كلها نظرا الى اتباع المسلمين للتقويم الهجري فأحيانا يأتي في الشتاء واحيانا في الصيف وهكذا ويأخذ دورته الكاملة على مدار ثلاثة وثلاثين عاما وصيامه في الشتاء والربيع ليس صعبا اما في الصيف واوائل الخريف فالناس يقاسون في صيامه التعب والعطش ولنتصور زمن الآباء والاجداد في ذلك الزمن ورمضان في فصل الصيف وهم في جهدهم الشاق في سبيل لقمة العيش ولا يجدون مكانا باردا يلجؤون اليه كما هو متوافر في وقتنا الحاضر ولا يجدون الماء البارد وقت الافطار سوى ما يبردونه بالقِرب وقد يلجأ من اخذ منه العطش مأخذه الى سكب الماء على نفسه وثيابه والتظلل تحت الاشجار والبيوت لعل نسمات الهواء تلامس جلده وثوبه المبلل فتمنحه البرودة التي تنعشه وترفع عنه غائلة العطش وقد يتلوى الفرد في منتصف النهار تحت تأثير العطش وربما يغمى عليه من العطش والجوع ولكنه يأبى ان يفطر ذلك اليوم وقد تجد المرأة المرضع المصير نفسه اذ تتوقف حياة ابنها على لبنها المتلاشي مع الصيام ولكنها تصر على الصيام وتقوم بتعويد ابنها على الصبر وقوة التحمل منذ الصغر وتغرس فيه هذه الخصلة الحميدة ومتى جاء وقت الافطار رأيت الناس قد أتوا بأطباق التمر ودلال القهوة واواني اللبن او مريس الاقط الى المساجد او الى امكنة تجمعاتهم وبهذه الطريقة يهيئون لكل مسلم ان يدخل اليها دون حرج ليأكل حتى يشبع من تلك الاطباق ويرتوي من ماء تلك القِرب البارد من نسائم الاصيل اوتلك الاواني المملوءة باللبن او المريس البارد وقد يتناول الناس طعام الإفطار في منازلهم كل اثنين او ثلاثة او ربما اهل المنزل وحدهم وفي كل حال تجد الرجال وحدهم يتناولون طعامهم والنساء وحدهن، وفي العشر الاواخر يبدأ الناس بأداء صلاة القيام ووقتها في الهزيع الاخير من الليل وتستمر ساعتين الى ثلاث ساعات وهي اربع تسليمات عدا الشفع والوتر يطيل الامام القراءة في كل ركعة وقد تصل الى جزء من القرآن الكريم في كل تسليمة وبعد كل تسليمه تدار فناجين القهوة العربية وكؤوس الشاي التي تطرد النعاس وتبعث النشاط في المصلين كما تدار مباخر الطيب والعود لتجديد النشوة وتحفيز المصلين لكي يواصلوا الصلاة الى اخرها وبين التسليمتين الاولى والثانية يقرأ الامام شيئا من الاحاديث المحتوية على التذكير بفضائل ليالي العشر الاواخر والحث على تحري ليلة القدر التي خير من الف شهر وبعد التسليمة الثانية وتنتهي صلاة القيام قبل الفجر بوقت كاف لتناول السحور ويحظى القرآن بالتلاوة فالكل يسارع الى ختم القرآن ايام الشهر وتكون هناك حلقات ومجموعات يتلون القرآن فيقرأ احدهم والباقي ينصتون ويراجعون وهكذا يختمون القرآن ومع هذه الروحانيات العالية يألف الناس رمضان ويلتصقون به فلا يفارقهم الا وهم يذرفون الدموع على فراقه فيودون لو كان العام كله رمضان.