أكدت الشاعرة أضواء الصالح بأن الكتابة الإبداعية هي حالة وعي لمخاوف الإنسان وشعوره المؤلم نحو المعاني المقلقة للبشرية جمعاء كالموت والفناء والحب والكره والتي تعتبراً وجهاً حقيقياً للكتابة الشعرية،واصفة أن كتاباتها الغارقة في العدمية أتى كنتيجة لذلك وعارضة في هذا الحوار عن أمنيتها في أن تجد ناقداً يفكك النصوص دون أفكار وقوالب مسبقة: * في البدء أستاذة أضواء تبدو هذه المعاني-الخلود،الفناء،الكره،الحب...إلخ- هي البنية الأساسية التي تتكون منها أغلب قصائدك لماذا هذا الإختزال وتجاهل أشياء الحياة الأخرى والتي قد تبدو أكثر انفتاحاً نحو كتابة عوالم أخرى؟ -ارتكزت في ديواني على ثيمات متعددة " الرغبة،الحرمان،الحرية،القيد،الخطيئة،الذنب" وهذه كلها جملة أحاسيس تدفقت من روحي مباشرة وسكبتها على الورق،لم تخضع لعمليات تجميل أو لخافي عيوب حتى،لا أخفيك القول أني قد اعتمدت على ثيمة الموت وأن أغلب قصائدي تفوح برائحة العدمية لذا تطرقت للخلود والفناء ......... أرى أن هذه العناصر ضرورية ومحفزة في كل عمل أدبي لأن وعي الإنسان بفنائه وقصر حياته يؤجج فيه الرغبة للاستفادة القصوى من الحياة والتمتع بكل تفاصيلها؛لذلك تجدنا نرتكز على الذكريات الجميلة و الشجية ونتغنى بها وكأنها أصبحت جزء من كينونتنا ونشركها الآخرين بالمؤلفات والأشعار والموسيقى واللوحات،والحب طبعا هو العنصر الوهاج الذي يشعل جذوة أرواحنا المنطفئة على الدوام هذا هو النمط الشعري الذي سلكته في ديواني ولست ملزمة به على أي حال في كتابي المقبل. * هل الشعر هو المشروع المحدد لهويتك الأنثوية،أو أن هناك مشروعاً روائياً قد يخرج لنا قريباً؟وماذا عن الصرخة الأولى للكتابة كيف خرجت،كيف تشكل وجهها البريء وهي صغيرة ولم تكتمل لتصبح قصيدة؟ - ربما أجدني شاعرة وميّالة أكثر للكلمات المختصرة المكتنزة بالمعنى وآمل أن أتطرق إلى جنس أدبي آخر كالرواية أو القصة .. أعكف حاليا على كتابة مسودات لرواية لكني لست واثقة من نشرها .. الشعر يختلف عن الرواية هو لا يتعرض للنقد اللاذع والجلد،يتعامل النقاد مع الشعر مثل الكلام الصادق العفوي الذي يحكي به الدراويش ولا يساق إلى المشرحة الأدبية؛ للرواية قوالب معينة وقواعد صارمة .. لا يتأتى لأي شخص الالتزام بها،أما عن كيف تشكل وجه الكتابة؟فمنذ الطفولة وأنا أسأل وكنت كثيرة الأسئلة ولعل هذه الأسئلة غارت في اللاشعور واختمرت و تلاقحت مع تجارب الآخرين ثم تشكلت أخيرا على هيئة كتاب، بدأت بالكتابة الالكترونية وتدربت عليها ثم وجدت نفسي أمام عنوان دار النشر الذي تعاملت معها لطبع كتابي .. أرسلت لهم مسودة ورحبوا بها كان الأمر بسيطا للغاية رغم ظني المسبق بتعقيده وصعوبته. * تقول إيزابيل الليندي" ليس هناك ما هو مؤكد ومحدد،ولسنا نحب المواجهات أثناء الكتابة،بل نفضل عليها التفاوض" كيف تجري مفاوضاتك مع ذاتك للكتابة،كيف تتمكنين من اقتناص الزمن من الزمن نفسه من أجل أن تكتبي،وهل تصابين بخيبة حين تأتي الفكرة وأنت في العمل أو أنت تتحدثين مع الآخرين لأنك لا تستطيع كتابتها فتترككِ تلك الفكرة لتبحث عن امرأةٍ أخرى أو ربما عن رجلٍ آخر أو ربما قد تموت؟. - وما أجملها من مفاوضات في الحقيقة هي ليست مفاوضات بالمعنى الحرفي للكلمة هو استسلام لذيذ لغواية الكلمات،لطالما آمنت أن الأفكار لا تموت بل تتناسخ في منظومة عبقرية عبر حيوات ممتدة وتتناقل عبر ملايين البشر،قد يكون ثمة أضواء أخرى عاشت في زمن فائت أو أخرى ستعيش في زمن آت أو أضواء حالية تحمل أفكاري وسمة شخصي قد لا تكون صورة طبق الأصل مني لكنها تشبهني إلى حد ما أو قد تكون أفكاري موزعة على عدد كبير من النساء أو قد أكون هؤلاء النسوة مجتمعات!الأفكار المضيئة تزورني أكثر من مرة تلح على رأسي كنبوة .. أفكاري أصدقائي الأوفياء. * فرويد حين سألوه عن قيمة الشعر قال:لم أجد شاعراً إلا وكان قادراً على فهم مكنونات النفس البشرية أكثر من العلماء النفسيين أنفسهم؟انطلاقاً من هذه المقولة أريد أن اسأل عن قيمة الكتابة الحقيقية لديكِ دام أن ما مضى لا يمكن أن يستعاد وما تبقى لا يستحق عناء اللغة؟ - الكتابة هي أن تعقد صداقة حميمة مع روحك وتفتش في مناجمها حتى أعمق نقطة فيها .. لتقبض على كنوزك الثمينة . يقال " من عرف نفسه قد عرف ربه " من هنا تستشف قدسية أفكار الإنسان ومن هنا أيضا أستطيع أن أبرهن لك قيمة الكتابة وقدسيتها لدي . وفيما يخص فرويد أرى أن الكتابة هو جزء من العلاج النفسي لأنك تفتح نوافذ عقلك الباطن ومنطقة اللاشعور لتسرد مافيها من مكنونات غائرة تريد أن ترى النور مثل فراشات ملونة قيدت في شبكة كبيرة ثم تحررت أخيراً من وطارت بخفة منتشرة في الأجواء لتعبر عن نفسها. * بعد إصدار ديوانك الأول "طائرٌ غريب يهيم فوق رؤوسهم" كيف تمكنتِ من التفرقة بين الرأي النقدي والتوبيخ النقدي الذي يملأ ساحة الشعر النسائي حالياً من قبل الناقد الذكر؟. - هناك من يرى أن كل انتاج نسوي هو بائس وغير جدير بالقراءة وهناك من يرى أن كل إنتاج محلي بائس وغير جدير بالقراءة كذلك،قلما نجد من يتعامل مع النص بمهنية عالية وكجزء منفصل عن صاحبه.. وبدون أن يتورط بأحكام مسبقة ..أتمنى أن ألتقي بذلك الناقد الذي لا يطبل ويشرّح النص ويزيل مواطن الضعف فيه ويبرز مواطن الجمال بعيدا عن عقد جندرية أو دونية،بعض النقاد تراه ينسف عملا كاملا واصفا إياه بالسوء،أو يرفعه إلى درجات عليا من الاكتمال والجمال منطلقين من مبدأ الارسطوطاليسي في الخير والشر القبح والجمال.