عندما نعود لأدبيات وطروحات وأفكار عقدي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، تبرز لك في قاموس تلك المرحلة الامبريالية، التحرر الوطني، النضال، تضامن القوى الشعبية، حركة الجماهير العربية، الرجعية العربية، إلى آخر التعبئة العاطفية التي عُبئت بها عقول وأذهان المواطنين باتجاه العداء للغرب والفصيل العربي المتعامل معه اقتصادياً وسياسياً، والالتقاء المطلق مع الدول الاشتراكية.. وبدون تعسف، أو جلد للذات هل يمكن طرح بعض الأمور من باب التأمل وقراءة تجربة مرت، وبقيت سلبياتها وايجابياتها بلا تحليل تاريخي علمي ليس لإدانة، أو تأييد تلك الأفكار وإنما انعكاسها على حاضرنا الراهن ولنجعلها بصيغة التساؤل لاشراك كل من عاصر تلك المراحل الوقوف عليها كشاهد محايد للتاريخ ولمصلحة الأمة العربية حتى لا نعيد مسلسل الانكسارات والهزائم والتقوقع على الذات، وخلق الاتهامات للمتآمر الأجنبي دون أن نضع أنفسنا أمام مسؤولية ما حدث وجرى؟ * أليست الأحزاب الاشتراكية (العربية) تحديداً وليست الخارجية هي من تبنى مفاهيم الديموقراطية، فهل تم ممارستها في داخل بنيانها التراثي، وهل كانت الديموقراطية مفهوماً حقيقياً تتلاقي مع الديموقراطية المتعارف عليها عالمياً وتم تحديدها عربياً؟.. * وعلى نفس الصيغة كيف نحدد التبعية والتي وهمت بها نظم عربية كانت تلتقي مع الغرب الرأسمالي وهي من تعرضت لأكبر حملة وصلت إلى حد المناوشات العسكرية، وإذا كان هذا الافتراض مسلّماً به عن قناعة، فهل كانت الدولة العربية ذات المنحى اليساري بدون تبعية للمعسكر الأكبر وهي المرتهنة من الإبرة إلى المصنع المؤمم على النمط الاشتراكي؟.. * المفكرون العرب كلهم أخذوا منحى شرقياً ضد الغربي، وكانت لقاءاتهم وطروحاتهم تأخذ نفس الاتجاه، فهل كانوا يقبلون الحوار مع الجبهة الأخرى النقيض والتي لا تتفق مع آرائهم، وكيف أُبعدوا تحت مسمى «الأمبرياليين»؟ * مصطلح الحقبة ركز على الدول النفطية الخليجية بينما سبقتها الحقبة القومية، والناصرية والاشتراكية وقد علقت كل الأزمات العربية على «البترو دولار» واستثناء الجزائر وليبيا، والعراق وهي دول نفطية غنية، لأنها فقط كانت ذات اتجاه يتطابق مع الدول الثورية في ذلك الوقت؟ * الأحداث الكبرى من هزيمة 1967م مروراً بتوابعها، حرب العراق - إيران، واحتلال الكويت وحروب اليمن ولبنان والصومال الأهلية، هل طرحت من منظور محايد ومن مبدأ المسؤولية القومية عمن تسبب بها واختار التوقيت لها، وورط الأمة كاملها بها؟ * الجامعة العربية بأدبيات بعض مفكرينا صنعها وخطط لها الاستعمار البريطاني من أجل ضرب العثمانيين ووحدة المصير العربي، إذا كانت هذه القناعة موجودة فلماذا الاستمرار عليها وعدم ايجاد البديل الموضوعي الذي يوحد هذه الأمة؟.. * جدلية الوطنية، والقومية، والوحدة والدين أليست واحدة من أهم الطرق لوضع مفهوم يلتقي أو يفرق بينها من موقع الحقيقة الجغرافية والتكوين الاجتماعي والتاريخي؟ * لماذا هربت الأموال العربية عن منابتها، سواء كانت وطنية بالدول الاشتراكية العربية، أو عوائد النفط ألم يكن السبب الرئيسي الذي لا نزال نهرب منه، هو التأميم والمصادرة؟ * ثم ألا نؤمن بوجود فروقات اجتماعية وتقاليد ونوازع قطرية، ومذاهب وقوميات وقبائل وعشائر يمكن تجاوزها دون تلاقي مصالح الدول والمواطنين بكل الأقطار العربية عليها؟ * وأيضاً كيف خسرنا عالماً في كل القارات تعاطف وتضامن معنا ثم انسحب منا، هل السبب نحن أم هم؟ وأخيراً في ظل هذه التساؤلات.. هل يوجد طريق بدون عقبات يدلنا على الخطوة الأولى نحو تضامن عربي بمفاهيم الزمن والعصر الجديد؟..