من أكثر الحيوانات الزاحفة التي احتلت حيزا مهما في الكثير من كتب التراث واختزلتها ذاكرتنا الشعبية (الضب) الذي يكاد يكون الحيوان الوحيد المصنف ضمن طرائد الصحراء والباقي بهذا الكم حتى الآن والذي يتعرض حاليا رغم إدراجه ضمن الطرائد المحمية بنظام الهيئة السعودية للحياة الفطرية إلى عمليات إبادة غير مسؤولة وعبث همجي يهدد بمحوه لا سيما وان فوضوية القتل التي يتعرض لها تأتي بالتزامن مع فترة التكاثر المحصورة في شهر يونيو – ويوليو من كل عام. ولما كان الشيخ (حمد) كما يلقبه البعض حاضرا في الكثير من الحكاوي والأمثال الشعبية فإن أكثر ما يميزه هي تلك الخرافات الممزوجة ببعض الحقائق الثابته عنه، ومنها على سبيل المثال حقيقة أن الضب لديه عضوين تناسليين ترجعهما الأسطورة إلى أن الضب بكى يوما من الأيام بحرقة وهو يتوسل الديك ان يعيره عضوه الوحيد ليلة زواجه فاستجاب له الديك بعد أن أخذ منه ميثاقا برده بعد ثلاثة أيام الا أن الضب أنكره بعد ذلك واحتفظ بهما جميعا فضل الديك الذي يعيش حتى يومنا هذا بلا عضو تناسلي ينادي صباح كل يوم وهو يردد نداء على مقام : ( يا حمد رد الأمانة ) .! ومن الحقائق أيضا ان هناك علاقة تعايش بين الضب وبعض الحشرات ومنها العقارب السوداء التي تشاركه السكن في جحره وفي مجال 20 – 50 سنتمتر من فوهة الجحر يتكفل بإيوائها بينما تقوم هي بتوفير الحماية والحراسة الدائمة للجحر . وقد حظي هذا الكائن باهتمامات وتقصي بعض الرحالة والمستشرقين القادمين لجزيرة العرب ومنهم الانجليزي داوتي الذي وصفه بشيخ الحيوانات المتوحشة وقال إن البدو يطلقون عليه اسما لطيفا هو الشيخ (حامد) ويقولون انه زلمة ( انسان ) ويدللون على ذلك بيده ذات الأصابع الخمسة وهم لا يأكلون أكفه ولا الحلقات الخمس الأخيرة في ذنبه لأنها كما يقولون لحم إنسان .. ويصنع البدو من جلده سعناً صغيراً يحمل فيه الرعاة اللبن والحليب. أما الانجليزي ديكسون (عرب الصحراء) فيقول عنه : يعرف هذا الزاحف الهام بأنفه الأفطس وذيله الضخم المغطى بالعقد الخشنة والذي يعتبر أقوى أسلحته الدفاعية ويوجد هذا الحيوان الزاحف في جميع الأجزاء الشمالية الشرقية من الجزيرة العربية وهو يفضل الأرض الصلبة المكسوة بالحصى على الرمال الناعمة ويحفر جحره تحت الأرض بعمق أربعة أقدام تقريبا ويحفره بطريقة لولبية، ومن المشاهد المألوفة أن ترى هذا النوع من السحالي يتمتع بدفء شمس الصيف قريبا من جحره ويندفع مختفيا في الجحر عند ما يشعر بالخطر، وهذا الزاحف يختفي عن الأعين تماما في فصل الشتاء ويعود للظهور خلال أواخر الربيع وأشهر الصيف ويبدو انه يقضي الشتاء في السبات ويبلغ طوله قرابة ثلاثة أقدام وهو شديد الضراوة . وللضب مخالب طويلة حادة، وبطنه ابيض اللون ويصدر فحيحا عاليا عند الغضب . وتضع أنثى الضب ما بين 50 – 60 بيضة في المرة الواحدة تدفنها في الرمال، وعند ما يحين وقت الفقس يقال إن الأم تعود وتلتهم جميع البيض عدا ثلاث تضعها على ظهرها – واحدة على رأسها - وواحدة على منتصف الظهر – والأخرى على الذيل ويؤكد البدو هذه القصة الغريبة، ولكنني إلى الآن لم أتمكن من رؤية هذا الحيوان الزاحف بهذه الحالة، ويؤسفني أن لا أستطيع تأييد هذا القول ( ثمة مقولة أخرى غير رواية ديكسون ان الام تحرس بيضها وعند ما يفقس البيض وتخرج صغارها تضنها من أحناش الأرض فتبدأ بالتهامها وتقتيلها عدى ما يستطيع الشرود منها) لذلك قالت العرب (أعق من ضب كما قالت أخذه أخذ الضب ولده ). ويمضى ديكسون إلى القول : ويتغذى الضب جزئيا على العشب ولكن طعامه الطبيعي هو الجنادب وغيرها من الحشرات، وهو يلتهم كل ما يصادفه من جراد بنهم شديد، ويعتبره جميع البدو صالحا للأكل . وهناك قول يردده البدو طول الجزيرة العربية وعرضها مؤداه أن إحدى القبائل تنظر إلى هذا الحيوان الزاحف نظرة التقديس، غير أن من المؤكد أن أحدا من هذه القبيلة لا يمكن أن يقتل هذه السحلية أو أن يأكلها. ولذلك عند ما يرغب البدو السخرية من أحد رجال هذه القبيلة يقولون إن نبيا بعد أن دعا ربه قد حول جد القبيلة الأول إلى ضب . هذه الجزئية من رواية ديكسون لم نجد لها أصلا في الحقيقة وليس بعيدا أن تكون (سالفة مجلس) عارضة من تلك الممالحات التي يتعاير بها الأصدقاء من باب الملاطفة وكسر حواجز الكلفة بينهم فأخذها الرحالة مأخذ الجد ودونها على شكل حقيقة.