قبل أن أذكر لك بعض تفاصيل خبر نشرته صحيفة الوطن الأسبوع الماضي أجدني مبالغا في العتب على صديقي المغرم بالبحث عن الضبان أثناء رحلات بريّة نمضيها في أواخر فصل الربيع. لم يعد في السنوات الأخيرة لدينا ما يستحق الصيد. ربما يكون صيد الكاميرة لغرض بحثي أو من أجل الحصول على لقطات طريفة نتيجة ترصد زاحف قبيح الشكل أجدى إذا لم يبق سواه من الطرائد. تصنيف الطرائد في موروثنا الشعبي لم يضع الضب كصيد (محترم) رغم حله. جاء في صحيح مسلم أن لحم الضب قدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وخالد بن الوليد في دار ميمونة فأهوى رسول اللّه يده إلى الضَّب. فقالت امرأة مِنَ النسوة الحضور: أخبرن رسول اللّه بما قدّمتنّ له. قلن: هو الضَّب يا رسول اللّه فرفع رسول اللّه يده. فقال خالد بن الوليد: أحرام الضَّب يا رسول اللّه؟ قال: (لا. ولكنه لم يكن بأرض قومي. فأجدُني أعافه). يدعي صديقي أنه يلبي طلب أبيه الثمانيني الذي يوصيه ويحرص على تناول الضبان على خلفية زعم شعبي يؤكد مروجوه أن أكل لحم الضب يعالج مظاهر خريف العمر وعوامل تعرية السنين إذ يعتبرونه منشطا أو (فياقرا طبيعية)، ولذلك يصيد صديقي في كل رحلة (مَكُون بلون أصفر) يحملها معه. والمكون جمع مَكْن وهي أنثى الضب المفضلة للأكل في أواخر فصل الربيع بعد أن جمعت بيضها في جوفها. وقديما قال الشاعر: وما في البُيوض كبيض الدجاج وبيض الجراد شفاء القَرَم ومَكْنُ الضِّبابِ طعام العُرَيب ولا تشتهيه نفوس العَجِمْ والمقصود بالقرم شدّة الشهوة إِلى اللحم. بالمناسبة تفوق نسبة الكولسترول في لحم الضّب ما يوجد في اللحوم الحمراء بأكثر من ثلاثة أضعاف، هذا في الأحوال العادية، أما في مرحلة التزاوج الممتدة من آخر الربيع حتى أشهر الصيف (فترة صيده)، فتتضاعف النسبة، ومن الخطورة أن (يبر) صديقي والده بهذا اللحم الغارق بالكولسترول، لكن طالما أن أباه (ما طب ساكت) فالمرجح أن الذي يأكل المكون (الفياقرا) الابن وليس الأب. يقال في الأمثال الشعبية (عيال ضب كل له جحر)، والعِيَال فصيحة، وأصلها من عَالَ يعِيل عَيْلَة وعُيُولا إذا افتقر فهو عَائِل، وعِيَال الرجل الذين يتكفّل بهم ويَعولهم وواحد العِيَال عَيِّل، لكن لا يقال العَيْلان لأنها تعني الذَّكَر من الضِباع. أما صغار الضب فهي الحُسُول والمفرد حِسْل، وقالت العرب في الأمثال أعقّ مِن ضَبّ، لأن الضباب تقتل صغارها بعد الفقس تحسبها ديدانا صغيرة، كما أن الحسول تهرب ولا تبقى في رعاية الأم بل ينفرد كل واحد منها ويعتمد في غذائه على نفسه بأكل الحشرات، وسرعان ما ينأى بحفر جحر صغير لنفسه، كما أن الأبوين لا يتبعان سلوك معظم الحيوانات في جلب الغذاء إلى صغارها، وربما كان ذلك وراء تشبيه العرب كفّ البخيل بكفّ الضَّب. يضرب هذا المثل للعقوق وجفاء الأسرة الواحدة والأقارب وتباعدهم عن بعضهم. كما يقال في المثل الشعبي (أعْقَد من عكرة الضّب)، والعُكْرَة اسم عامي لذنب الضب، ولعل أصل التسمية من العُكْدَة، وهي كلمة لها عدة معانٍ منها العُصْعُص وجحر الضَّب، فقلب حرف الدال راء. وعلي أي حال، فذنب الضّب يبدو كحلقات متصلة معقدة التركيب ولهذا يضرب المثل لما صعب واستعصى حلّه سواء كان ذلك حسياً أو معنوياً. ومن أطرف الأمثال الشعبية للدلالة على الشخص الذي لا يغيب ولا يبتعد عن داره إما لخوف أو لضيق أفق في سعيه من أجل تدبر شئونه الخاصة يقال (مسراح ضب)، فالضب عندما يخرج في الربيع ليرعى (لا يسرح) بعيدا عن جحره بسبب خوفه من السباع والجوارح فضلا عن عدم استطاعته العودة ومعرفة طريق جحره إذا ابتعد، ولهذا يقال في المثال (أضيع من ضب). أي أن الدلالة تنصرف في هذين المثلين أيضا إلى الجبن والغباء. ولعلك سمعت خاصة بين كبار السن عندما يدعى أحدهم إلى الطعام في حضرة جمع من الرجال فيمتنع المدعو، فيقال بصيغة الاستفهام في معرض السخرية أحيانا، (هاه، الضب شبعان دبى؟)، والدَّبَى فصيحة تعني أصغر ما يكون من الجراد والنمل، والمفرد دَبَاة. والضب زاحف عاشب لكن إذا عثر على صغار الجراد والنمل قريبا من جحره يكسل ويكتفي بأكلها بدلا مما يفيده من الأعشاب. بالتأكيد، ارتبط لديك مما استعرضته كلمات مختلفة ستقرنها بهذا (الزاحف) بدءاً من القبح والعقد والغباء وعدم الاحترام إلى الغرابة والكسل والكره وليس انتهاء بالجفاء والعقوق والجبن والضياع، لكن لا يغرنك زعم الفحولة والرجولة. اختر ما شئت من هذه الكلمات أو أضف إليها وأطلقها بعد قراءة الخبر الذي نشرته صحيفة الوطن، ملخصه (ابتكر عدد من المراهقين طريقة غريبة من نوعها في معاكسة الفتيات في منطقة نجران عندما استخدموا عدداً من الضبان قاموا برسم قلوب وشعارات عاطفية على ظهورها وكتبوا على بطونها أرقام هواتفهم المحمولة ونشروا الضبان قبل بداية الدوام الرسمي داخل فناء مدرستين ثانويتين للبنات. وقد أصيبت الطالبات ومعلماتهن بحالة من الذعر فور دخولهن للمدرسة ومشاهدة الضبان). لك التعليق. والعهدة على مراسل صحيفة الوطن في نجران.