قدر الله أن أتلقى خبر وفاة والدنا خادم الحرمين الشريفين -رحمه الله رحمة واسعة-، وأنا خارج بلادي، وبالتالي كانت المتابعة عبر الهاتف أو المحطات الفضائية، الأكيد أن الحزن والألم كان الأكثر أثراً في وجداني، ولكن تلك المتابعة جعلتني أشعر بالفخر أنني أنتمي لوطن حكمه رجل مثل فهد بن عبدالعزيز. الكل تحدث عن مآثره التي اعتلت قمة الفعل وحظيت بالتنفيذ في مساحات مكانية وزمانية واسعة يصعب حصرها في مقال واحد. لقد اتفق الأعداء والأصدقاء على أن فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- رجل سياسة من طراز نادر فهو لم يكن يبحث عن مجد شخصي - وهذا من حقه - قدر بحثه عن مصلحة شعبه وأمته الإسلامية على حد سواء. وسيظل التاريخ يشهد لفهد بن عبدالعزيز قيادته لمؤسسة التعليم الأهم في البلاد حين كان وزيراً للتعليم، ويسجل له قيادته لأكثر من مؤسسة بنجاح على المستوى الوطني. وسيشهد التاريخ لخادم الحرمين الشريفين -يرحمه الله- تزامن الإنجاز المحلي مع قيادته للعمل السياسي السعودي الخارجي، حين اتخذ أهم وأصعب القرارات في غير موقف لعل أهمها بالنسبة لنا كسعوديين وخليجيين عموماً تحرير الكويت، ذلك القرار الذي لم يكن سبباً في تحرير الكويت وحسب بل وحماية الأمة العربية عموماً من حالة انهيار كامل كانت معرضة لها بسبب الانقسام غير المتوقع تجاه عملية الاحتلال العراقي للكويت. والكثير من التحولات المحلية عاشتها المملكة في عهده في كافة القطاعات كان للمرأة منها نصيب كبير حيث الاتساع في قطاع التعليم والتوسع النوعي في عملية التوظيف ثم التوسع بشكل كبير في التعليم العالي للمرأة السعودية، يكفي أن نعلم أن كليات البنات قد تمت سعودتها بما لا يقل عن نسبة 80٪ من جهازها التعليمي وهي نسبة غير قليلة قياساً بعمر التعليم الجامعي للمرأة في بلادنا. أعلم أن الكتابة عن أعمال فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- في مثل الوضع النفسي الحالي لنا كسعوديين أمر صعب وعزائي أن التاريخ كفيل بتسجيل أعمال وأمجاد وإنجازات رجل اتصف بالدبلوماسية والإنسانية والحكمة وبعد النظر... إن التاريخ سيكتب انه أعاد للأمة العربية هيبتها..، وانه كان رجل الوحدة العربية الأول عملياً وليس بالشعارات التي يتم ترديدها، وأيضاً التاريخ سينصفه حين يحلل رجال التاريخ بموضوعية قراره -رحمه الله- بتحرير الكويت. رحم الله فهد بن عبدالعزيز واسكنه فسيح جناته... ونسأل الله عز وجل أن يعين خليفته والدنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أطال الله في عمره - على إكمال مسيرة الوطن محلياً وخارجياً.. والعزاء موصول لحرمه وأبنائه وألهمنا وإياهم الصبر والسلوان.